بينما تواصل دوائر السياسة والاقتصاد والمال في واشنطن انشغالها بيوميات الجدل الذي لا يكاد يتوقف منذ عدة أسابيع حول سقف الدين العام، وشبح الإفلاس المالي، وتخفيض الميزانية بشقيها الاجتماعي والعسكري... أعلن البنتاجون يوم الأربعاء الماضي أن مجلس الشيوخ الأميركي ثبّت الجنرال مارتن ديمبسي رئيساً لهيئة الأركان المشتركة للقوات الأميركية، وبذلك يحل ديمبسي محل الأميرال مايك مولن الذي شغل هذا المنصب منذ أربعة أعوام. وكان الرئيس الأميركي أوباما قد أعلن يوم الثلاثين من مايو الماضي تعيين ديمبسي رئيساً لهيئة الأركان المشتركة، وهو أعلى منصب عسكري في الولايات المتحدة. وصرح أوباما للصحفيين قائلاً إن "مارتن ديمبسي الذي يعمل في الجيش منذ حوالي أربعين عاماً، هو واحد من أكثر جنرالاتنا احتراماً وخبرة في القتال". وأضاف: "قاد ديمبسي جنودنا في العراق خلال تمرد عنيف. ونظراً لأنه درب القوات العراقية، فهو يعلم أنه على الدول في نهاية المطاف تولي مسؤولية أمنها". وتقع على عاتق قائد القوات الأميركية الجديد مهام جسام، لاسيما أن تعيينه يأتي بالتزامن مع البدء بتطبيق استراتيجية الانسحاب العسكري الأميركي من أفغانستان والعراق، كما يتوقع أن يركّز خلال المرحلة المقبلة على المخاطر المحتملة للتطورات السياسية في بعض الدول العربية. وقد ولد مارتن ديمبسي عام 1952 وتلقى تعليمه في مدرسة "جون بيرك" الكاثوليكية في "جاسان" بنيويورك، ثم التحق بأكاديمية «ويست بوينت» العسكرية الشهيرة التي تخرج منها ملازماً ثانياً في الدفعة ذاتها مع بترايوس عام 1974. ومنذ ذلك الوقت تنقل ديمبسي بين مواقع مختلفة، في الداخل الأميركي وفي أوروبا والشرق الأوسط، كما تدرج في الرتب العسكرية إلى أن نال أعلاها وهي فريق أول في ديسمبر 2008. أما آخر منصب تقلده قبل منصبه الحالي فكان قيادة هيئة أركان جيش الولايات المتحدة التي عين لها في 11 أبريل 2011. وشارك ديمبسي في حرب العراق عام 1991، ومن هناك انتقل إلى قاعدة "هيسن" الأميركية في "فريدبرغ" بألمانيا حيث قاد الشعبة الأولى مدرعة. وفي يونيو 2003 تولى العميد ديمبسي قيادة الفرقة المدرعة الأولى، ليخلف اللفتينانت جنرال ريكاردو سانشيز الذي تمت ترقيته حينها لقيادة الفيلق الخامس. وتوجه ديمبسي على رأس فرقته في يوليو 2004 إلى العراق، وأضاف إليها فوج الفرسان المدرع الثاني ولواءً من الفرقة المحمولة جواً 82 وكتائب أخرى. وتصدرت قواته عملية اجتياح مدينة الفلوجة، وكان يشرف على الدبابات والقوات التي قاتلت عناصر التيار الصدري وتصدت لرجاله في مدن الجنوب العراقي. ثم تولى الميجور جنرال ديمبسي وقيادته المسؤولية عن منطقة بغداد الأمنية، قبل أن يغادر العراق في يوليو 2005، ليعود إليها في بداية 2007 حيث أصبح قائد قوات الأمن الانتقالي متعددة الجنسيات. لكنه عاد إلى الولايات المتحدة في مارس من العام نفسه كنائب لقائد القيادة المركزية في قاعدة ماكديل الجوية في ولاية فلوريدا. وظل هناك إلى أن تم ترشيحه من قبل البيت الأبيض لقيادة الجيش الأميركي السابع في أوروبا (فبراير 2008)، وهو التعيين الذي أقره مجلس الشيوخ الأميركي، مع ترقيته إلى رتبة جنرال بأربع نجوم (فريق أول). لكن وزير الدفاع جيتس لم يلبث أن عينه قائداً للقيادة المركزية الأميركية بالوكالة بعد تقاعد قائدها الأميرال فالون من الخدمة الفعلية. ومنها تولّى قيادةَ عمليات التدريب في الجيش الأميركي في ديسمبر 2008، وهو المنصب الذي بقي فيه حتى فبراير 2011، حين أعلن جيتس ترشيحه لخلافة الجنرال جورج كيسي في رئاسة أركان الجيش الأميركي (القوات البرية)، فحضر (في مارس) اجتماع لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ للمصادقة على تعيينه، وفي الحادي عشر من أبريل تسلم مهامه رسمياً في احتفال أقيم في "فورت ماير". وبعد ما تأكد في الربيع الماضي أن الأميرال مايك مولن، رئيس الأركان المشتركة للقوات الأميركية، سيتقاعد رسمياً في سبتمبر 2011، اعتقد الكثيرون أن نائبه الجنرال جيمس كارترايت هو الأوفر حظاً بهذا المنصب، إلا أن المسؤولين في البنتاجون أعلنوا أن أوباما سيرشح للمنصب الجنرال ديمبسي، وهو الترشيح الذي تم فعلاً وصادقت عليه لجنة الدفاع بمجلس الشيوخ الأربعاء الماضي. وإلى جانب المهام التقليدية لهذا المنصب، وهي قيادة أكبر وأقوى جيش على وجه البسيطة حالياً، فإن ديمبسي سيكون معنياً بتنفيذ خطتي أوباما فيما يتعلق بالانسحاب من العراق وأفغانستان. ولم يعرف عن ديمبسي موقفاً واضحاً من الصراع داخل إدارة أوباما حول الانسحاب من أفغانستان، حيث يعارض فريق الصقور، مثل بترايوس ومولن وهيلاري... تخفيض القوات أو تسريع سحبها. بينما يضغط الفريق الثاني، ويضم نائب الرئيس بايدن وتوم دونيلون (مستشار الأمن القومي)، من أجل الإسراع بسحب مزيد من القوات. إلا أن أوباما حسم الصراع في يونيو الماضي، حين أعلن خطة خفض تدريجي تبدأ بسحب 33 ألف جندي بحلول صيف 2012، وذلك من أصل 100 ألف عسكري أميركي في أفغانستان. وفيما يخص العراق، فإن الاتفاقية الأمنية الموقعة بين بغداد وواشنطن في نوفمبر 2008 تنص على سحب جميع القوات الأميركية في موعد لا يتعدى 31 ديسمبر 2011. لكن ثمة قوى تطالب بتمديد الوجود العسكري الأميركي في العراق بحجة أن مؤسستي الأمن والجيش ليستا في كامل جاهزيتهما للدفاع عن البلد وتأمين استقراره. إلا أن ديمبسي هو أحد العارفين بهذا الجانب، لاسيما أنه تولى تدريب القوات العراقية لفترة من الوقت، وقاد مهمات قتالية مختلفة في العراق، ومن المتوقع أن يأخذ على محمل الجد كلمات أوباما في تصريح إعلان ترشيحه حول أهمية أن تتولى الدول مسؤولية أمنها وأن يركز الأميركيون على "بناء الأمم" في الداخل الأميركي! محمد ولد المنى