تشهد إيران تراجعاً كبيراً لشعبيتها في العالم العربي بسبب النظرة السلبية التي تحيط بتدخلها في العراق والبحرين والخليج العربي في أعين معظم العرب، وهذه النتيجة يؤكدها استطلاع للرأي أجراه معهد "زغبي الدولي" خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من شهر يونيو الماضي مستطلعاً آراء أربعة آلاف شخص من المغرب ومصر ولبنان والأردن والسعودية والإمارات العربية المتحدة بهامش خطأ يصل في المغرب والسعودية ومصر إلى 3.5 في المئة، فيما يرتفع في لبنان والأردن والإمارات إلى 4.5 في المئة. وحسب الاستطلاع فقد كان معدل الرضى عن إيران في العالم العربي مرتفعاً في عام 2006 إذ بين ست دول عربية أبدت عينة خمس منها على المستوى الشعبي موقفاً إيجابيّاً من إيران بنسبة 80 في المئة، ولكن منذ ذلك الوقت وإيران تسجل انحداراً ملحوظاً في شعبيتها، إذ في الوقت الذي كانت فيه تلك النسبة في 2006 تصل إلى 85 في المئة لدى السعوديين و82 في المئة عند المغاربة تراجعت في عام 2008 إلى 72 في المئة لدى السعوديين و65 في المئة لدى المغاربة. وتواصل الانحدار أكثر في عام 2009 إلى 35 في المئة عند السعوديين و57 في المئة عند المغاربة. وبحلول 2011 كانت شعبية إيران لدى الشعبين قد بلغت أدنى مستوياتها على الإطلاق بنسبة لا تتجاوز 6 في المئة داخل السعودية و14 في المئة داخل المغرب. ويشير استطلاع الرأي أيضاً إلى بواعث قلق متنامية لدى أغلب الدول العربية، باستثناء لبنان، باعتبار أن إيران تشكل خطراً على السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط مع توجس خاص متفشٍّ في الأوساط العربية من التطلعات النووية الإيرانية. وفي أغلب الدول العربية، مع استثناء لبنان مرة أخرى، أبدت أغلبية الشعوب تأييدها لشرق أوسط خالٍ من السلاح النووي. ولكن عندما سُئل أفراد الشريحة المستطلعَة آراؤها عن "الدولة التي يفضلونها أكثر من غيرها لامتلاك السلاح النووي في المنطقة" حظيت مصر بالأفضلية، مع احتلال تركيا للمرتبة الثانية بعيدة عن مصر، متبوعة بالسعودية، ثم إيران، التي احتلت مرتبة متأخرة ولم تحصل سوى على مساندة قليلة أو منعدمة من أغلبية المستطلعين. وبالنظر إلى التخوف السائد لدى فئات واسعة في العالم العربي من تحول إيران إلى قوة مهيمنة في منطقة الشرق الأوسط، وبالنظر إلى ما يُعتبر تدخلًا في شؤون دوله، لاسيما البحرين والعراق وبعض بلدان الخليج العربي، فإن أغلبية المستطلعين أيدوا اضطلاع دول مجلس التعاون الخليجي بدور أكبر في المنطقة والتصدي للتمدد الإيراني. كما حصلت دول المجلس على علامات متقدمة في الاستطلاع لدورها التي تقوم به في البحرين، وللمساعي الحثيثة الجارية في اليمن لتأمين انتقال سلمي للسلطة ووضع حد للأزمة المتفاقمة هناك. ومع أن تصرفات إيران في المنطقة ساهمت في تغيير نظرة العرب إليها وتدني مستويات شعبيتها لدى الشعوب العربية، إلا أن هناك أيضاً عوامل أخرى أفضت إلى هذا التراجع، فقد نجحت إيران، إلى حد كبير، في استغلال أخطاء القوى الدولية في المنطقة، لاسيما السياسات الأميركية غير الشعبية، فخلال فترة بوش تصاعدت مشاعر الغضب والاستياء تجاه الولايات المتحدة بسبب غزو العراق وتأييدها للعدوان الإسرائيلي على لبنان في عام 2006 وعلى غزة في 2009، هذا فضلًا عن الفظائع التي ارتكبت في سجن "أبوغريب". وقد برعت إيران في اللعب على هذه المشاعر وتحويلها إلى رصيد يصب في مصلحتها، وبخاصة عندما كان بوش وإسرائيل يخصان إيران بانتقاداتهما. ولكن في السنوات الأخيرة وإن كان العداء الأميركي والإسرائيلي تجاه إيران لم يخف، إلا أن المنطقة العربية عرفت جملة من التحولات، فقد جاءت إدارة أوباما بسياسة الانخراط الجديدة لتخفف من حدة الاحتقان، على رغم أنها لم تصل إلى مستوى الطموحات. كما أن الربيع العربي الذي فرض نفسه خلال الشهور الأخيرة صرف الانتباه إلى الداخل، وقل تركيز أميركا على إيران وباتت مشتتة إزاء التحولات الكبرى التي يشهدها العالم العربي مع مشاكل اليمن وسوريا والبحرين وباكستان، يضاف إليها فشل عملية السلام وانسحابها من عراق هش. وفي ضوء كل ذلك لم يعد الرأي العام العربي ينظر إلى إيران باعتبارها القوة المتصدية للهيمنة الأميركية، بل كمصدر لعدم الاستقرار تسعى إلى توظيف اضطرابات المنطقة لصالحها. ولا ننسى أيضاً الأسلوب الذي قابلت به السلطات الإيرانية "الثورة الخضراء" في طهران. وفيما كان الاعتقاد السائد في الماضي أن بعض الحكومات العربية هي الأكثر تحفظاً تجاه إيران ونواياها وأن الرأي العام العربي يناصرها في سياساتها، إلا أن استطلاع الرأي الأخير هذا يُظهر أن ذلك ربما كان صحيحاً في 2006 و2008 ولكنه لم يعد كذلك اليوم في 2011، إذ لم يعد ينظر إلى إيران من منظار مواجهة النفوذ الأميركي بقدر ما ينظر إليها كقوة تسعى بنفسها إلى الهيمنة على المنطقة.