يواجه أكثر من 12 مليون شخص خطر الموت جوعاً في منطقة القرن الأفريقي، ولاسيما الأطفال. وحتى في حال لم يلقوا حتفهم، فإن الأطفال الصغار من المرجح أن يعانوا من التأثيرات الخطيرة لسوء التغذية، مثل ضعف نمو الدماغ، طيلة حيواتهم. ولئن كانت ردود الفعل على هذه المأساة طبيعية، فإن أسبابها ليست كذلك. فمعظم المعلقين يشيرون إلى أسوأ جفاف يضرب المنطقة منذ عقد الخمسينيات وإلى مخاوف أمنية في جنوب الصومال باعتبارها الأسباب الرئيسية لهذه الأزمة؛ غير أن هذه التفسيرات، إذا تم النظر إليها لوحدها، تنطوي على كثير من العيوب والتصورات الخاطئة. فمما لا شك فيه أن الجفاف وسوء الأوضاع الأمنية يساهمان في الأزمة الحالية، إلا أن ثمة أسباباً جوهرية مسؤولة عن هذا الوضع المأساوي. ذلك أن الجفاف ليس ظرفاً بيئياً جديداً بالنسبة لأجزاء كثيرة من أفريقيا، وإنما هو ظرف متكرر الحدوث. إذ لطالما شهدت منطقة القرن الأفريقي وكل منطقة الساحل شبه القاحلة - التي تمتد جنوب الصحراء - ندرة في التساقطات المطرية. وإذا كان تغير المناخ قد فاقم ربما من تقلبت التساقطات المطرية، فإن أنماط العيش التقليدية في المنطقة تتميز بقابليتها للتكيف من أجل التعاطي مع أوضاع مختلفة عندما يصبح الاعتماد على التساقطات المطرية غير ممكن. ولطالما كان نمط العيش المهيمن في منطقة القرن الأفريقي هو الرعي؛ حيث درج مربو قطعان الماشية تقليدياً على التنقل بها عبر أراضي المنطقة بحثاً عن مراعي أفضل، حيث يركزون على مناطق تمليها عليهم الظروف المناخية. وقد كانت هذه المقاربة ناجحة لأنها، وخلافا للمراعي المحاطة بسياجات في أميركا الشمالية، مرنة إلى حد كبير وتتكيف مع تغير التساقطات المطرية. غير أنه مع توسع النشاط الزراعي، وظهور مزارع تجارية كبيرة الحجم في بعض الحالات، أصبحت طرق الرعاة أكثر تركزاً، وأكثر تأثراً بالجفاف. كما ساهم تغيير الممارسات التقليدية أيضاً في الإضرار بالأراضي. ففي إثيوبيا، على سبيل المثال، أدى تأجير الأرضي الزراعية على نطاق واسع لحكومات وشركات أجنبية من أجل محاصيل تصدر (مثل زيت النخيل والأرز والسكر) إلى مفاقمة هذه المشكلة. والواقع أن أنماط العيش التقليدية تطورت أيضاً على نحو مثير للجدل. ففي الماضي واستشرافاً لسنوات من ضعف التساقطات المطرية، كانت العائلات والمجتمعات الزراعية تعمد تاريخياً إلى تخزين الفائض من إنتاج محاصيلها. غير أن هذه الاستراتيجية التقليدية التي تهدف إلى التخفيف من خطر الجفاف أُضعفت للأسف منذ الفترة الاستعمارية - اعتباراً من القرن التاسع عشر - حيث تم تشجيع العائلات (حتى لا نقول إرغامها، بواسطة الضرائب) على زراعة محاصيل تسويقية تدر المال للسوق، وبالتالي تخزين كميات أقل بشكل متزايد تحسباً للسنوات العجاف. كما تم التشجيع على هذا التوجه المتزايد نحو السوق أيضاً من قبل بنوك التنمية. ولم تكن زراعة المحاصيل الموجهة للسوق تتسبب في مشاكل طالما أن الحبوب متاحة ومتوفرة للشراء بأسعار رخيصة، ولكن هذا الاتجاه بدأ ينمحي في عام 2000 بموازاة مع الارتفاع التدريجي في أسعار المواد الغذائية. ومثلما أن الموت نتيجة عدم الاحتماء من الظروف الجوية ليس نتيجة جوهرية لشتاء بارد، فإن المجاعة ليست نتيجة طبيعية للجفاف. وبعبارة بسيطة، فإن بنية المجتمع البشري هي التي تحدد في أحيان كثيرة الفئات التي تتأثر وإلى أي حد تتأثر. وإذا كان لا بد من تحرك فوري لدول العالم من أجل معالجة الأزمة الإنسانية في منطقة القرن الأفريقي، والعمل على ضمان إيصال وتوزيع سريع للمساعدات الغذائية، فإن على هذه البلدان نفسها أيضاً أن تدرس الأسباب الكامنة للأزمة أثناء بحثها عن حلول على المدى الطويل. والواقع أن الكثيرين، مثل مدير الوكالة الأميركية للتنمية الدولية راجيف شاه، يتحدثون عن الحاجة إلى استراتيجية لإعادة تحقيق الأمن الغذائي في المنطقة. ولكن المشكلة هي أن مخطط الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في أفريقيا شدد على "ثورة خضراء جديدة" تقوم على استخدام بذور محسنة وأسمدة ومبيدات. ولئن كانت هذه المقاربة التي تستهلك قدراً كبيرا من الطاقة قد تكون منطقية ومفهومة في بعض السياقات، فإنها ليست في متناول أفقر فقراء المزارعين، الذين يعدون الفئة التي من المرجح أن تواجه وتتأثر أكثر بانخفاض في المحاصيل. وبالمقابل، من شأن مقاربة واقعية أكثر أن تقلل من البذور المستوردة والزراعة التجارية لصالح مقارات تقليدية محسنة لإنتاج الغذاء للعائلات والأسواق المحلية. وفي هذا السياق، يتعين ثني إثيوبيا، التي تعد من المستفيدين الرئيسين من المساعدات الأميركية في منطقة القرن الأفريقي، عن منح عقود تأجير لأراضيها الزراعية على مدى طويل لجهات أجنبية في وقت تكافح فيه من أجل إطعام شعبها في السنوات التي عرفت ضعفاً في التساقطات المطرية. وأخيرا، يمكن القول إن الأزمة التي تعرفها منطقة القرن الأفريقي تفاقمت وازدادت حدة نتيجة ارتفاع أسعار المواد الغذائية في العالم؛ حيث بلغت أسعار الغذاء العالمية مستوى قياسياً في فبراير الماضي، متجاوزة ارتفاعات 2007-2008 ، التي كانت الأكثر ارتفاعاً منذ عشرين عاماً. ولئن كانت للأسعار الحالية علاقة جزئية بسوء الظروف المناخية، فإن من بين العوامل الهامة الأخرى أيضاً ارتفاع أسعار الطاقة، وتحويل الحبوب على نحو متزايد لإنتاج الوقود الحيوي، والقيود على الصادرات. وفي وقت يتوقع فيه أن تظل أسعار الغذاء والطاقة مرتفعة لأشهر عدة مقبلة، لم يعد بإمكان أفريقيا الاعتماد على استيراد مواد غذائية رخيصة أو الانتقال إلى استراتيجيات تستهلك قدراً كبيراً من الطاقة لإنتاج المحاصيل. ويمكن القول إن السبيل إلى تحسين الأمن الغذائي يكمن في تحسين مقاربات محلية أثبت الزمن نجاعتها وفعاليتها لأنها منسجمة مع الظروف البيئية المحلية. ------- ويليام موسلي أستاذ الجغرافيا والدراسات الأفريقية بكلية ماكليستر الأميركية ------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس"