يبدو أن حالة الصدام بين أنصار التيارين الديني والعلماني في مصر، لن تتبدد بسهولة، وأننا سنظل في حاجة إلى الأصوات الداعية إلى ترشيد التحركات المتسمة بالعصبية والتعصب لتدخل منطقة التوافق والشراكة. لقد شهد الأسبوع الماضي تصعيداً في لهجة الجماعة الإسلامية والسلفيين ضد الليبراليين والعلمانيين، وتبين أن السبب في ذلك هو استجابة المجلس الأعلى للقوات المسلحة لمطلب وضع ضوابط حاكمة لاختيار أعضاء لجنة وضع الدستور الجديد، وهي اللجنة التي سيختارها مجلس الشعب. عندما نتأمل المطلب نجده يمثل جزءاً من مطلب أوسع تطالب به القوى الليبرالية والعلمانية، وهو مطلب وضع مبادئ حاكمة للدستور الجديد. الهدف هنا هو خشية أصحاب المطلب من حصول الإسلاميين علي غالبية مقاعد البرلمان، وهو ما يعطيهم الفرصة لاختيار أعضاء لجنة الدستور طبقاً لمعاييرهم، وبالتالي وضع الدستور طبقاً لأفكارهم. الغريب هنا أن أهم المجموعات الإسلامية أظهرت فطنة سياسية تحسد عليها، عندما دخلت في تحالف ديمقراطي مع 26 حزباً مصرياً واتفقت في هذا الإطار على مجموعة مبادئ حاكمة للدستور الجديد تمثل حالة توافق سياسي وفكري مع القوى الليبرالية. لقد سبقت هذا التوافق عدة مقالات في الصحافة المصرية، دعوت فيها الإخوان إلى إظهار قدر من المرونة السياسية في عهد يشعرون فيه بالقوة السياسية، وما أن أظهروا الذكاء الاجتماعي والسياسي حتى رحبت بهذا ترحيباً اعتقد أنهم يستحقونه. اليوم تظهر مجموعة أخرى من التيار الديني لتبدأ المسألة من الصفر، وتعيدنا إلى مربع الصدام. إنني أعتقد أن المنافسات داخل التيار الديني ستكون شديدة بحكم الطبيعة البشرية ورغبة كل فصيل في استعراض قوته، ومع ذلك فإنني أعول على خبرة الإخوان الممتدة في الساحة السياسية منذ عام 1928 لإقناع سائر الفصائل الإسلامية بإظهار القدرة على التوافق والدخول في منطقة التفاهمات والأرض الوسط، حفاظاً على سلامة المسيرة الوطنية. المخرج المناسب من هذه الحالة الصدامية هو أن يقبل الجميع الالتزام بالاتفاق الذي توصل إليه أعضاء التحالف الديمقراطي المذكور، وأعني بالجميع كافة الائتلافات الليبرالية وكافة القوى الإسلامية. أما أن يتبادل الطرفان التصعيد اللفظي لدرجة أن نسمع عبارة "من لا يريد مصر إسلامية فليخرج منها"، فمعنى هذا أن مستقبل التجربة الديمقراطية سيكون في خطر حقيقي، حيث أن هناك في مصر قوى عديدة لا تقبل الدولة الدينية وتصمم على إقامة دولة ديمقراطية مدنية، تكفل لكل من يعيش فيها حق التفكير الحر والتعبير الحر وحق الخلاف، دون أن يتعرض لمثل هذا التهديد الواضح. إنني أعتقد أن على جميع الليبراليين والعلمانيين أن يعلنوا قبولهم مادة الدستور التي تقرر أن الإسلام هو دين الدولة في مصر ليصححوا فهم صاحب العبارة لموقفهم، مقابل أن يفهم هذا أن هذه المادة لا تعني بناء نظام حكم ديني.