رمضان شهر كريم آن له أن يحط رحاله بنا بعد فراق طال سنة. وفي مستهل المقال أقول لكم كل عام وأنتم إلى الله أقرب. رمضان شهر الصيام الذي فرضه الله على الناس قبل الإسلام: "كُتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم"، وذلك لما في هذه العبادة من خصوصية وتجرد لله تعالى. ومن المتعارف عليه، حتى في مدارس التزكية البشرية، أن الصوم هو أقوى ما يدرب النفس البشرية ويجردها من وعثاء الحياة. وعندنا كمسلمين هو شهر الأجر العظيم... أو لم يقل ربنا سبحانه وتعالى في الحديث القدسي "كل عمل بن ادم له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به "رواه البخاري". فلماذا يتأفف الناس من الصيام؟ سأركز على خطوات لو قام بها الصائم لوجد لذة في صيامه. أولى هذه الخطوات أن تبارك لنفسك وغيرك بصدق مقدم هذا الشهر الكريم، لما في هذا الشهر من سمات خصها الله به دون أشهر السنة كلها، وتهنئة الغير بهذه المناسبة هي في حقيقتها خطوة تنعكس على ذاتك إن أحسنت التعامل بها. حدد نيتك في بداية هذا الشهر، فهل تصوم لأن الناس كلهم صائمون عندها ستشعر بانزعاج من هذا الصوم، وستجد نفسك تقودك إلى أعمال، وبالذات بعد الفطر بعيدة جداً عن معاني هذا الشهر، لذلك رأينا في الحديث الصحيح أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: "من صام رمضان إيماناً واحتساباً"، ولم يقل عليه الصلاة والسلام تقليداً ومحاكاة. جدد توبتك، فرمضان شهر المغفرة، ولا يصح فيه أن تدخله محملاً بأوزار لم تتب منها، ومن جمال هذا الدين أن الإنسان المخطئ يعرف أنه على خطأ، ولا يحتاج إلى من ينبهه بل من يذكره، لذلك من يدخل هذا الشهر، وهو مصر على كبيرة من الكبائر حرمه رمضان منها، وهو يتمنى انقضاء هذا الشهر، كي يعود إلى ما كان عليه لن يجد هذا الإنسان لذة في الصيام... إنها دعوة مخلصة كي نتوب إلى الله تعالى من كل الذنوب، وكما قيل لا كبيرة مع استغفار. ولا صغيرة مع إصرار. وما يدري الإنسان فينا هل يعيش إلى نهاية هذا الشهر أم يباغته الأجل، فالتوبة باب لن يغلقه أمامك أحد، فاغتنم رمضان لدخول هذا الباب. الصوم عبادة خفية بين العبد وربه، وهو مدرسة من الخالق تقول لنا إن نكثر من أعمال السر التي لا يعلم بها إلا الله، فصدقة خفية وصلاة في آخر الليل في غرفة النوم، لايعلم بها أحد، وسهر على القرآن قبل النوم وغير ذلك من الأعمال التي تكتنزها لآخرتك، لو حرصت عليها هذا الشهر لعرفت معنى لذة العبادة، فاجعل لك سهرة خاصة مع خالقك. الدعاء عبادة مشروعة في كل الأوقات وجاء التأكيد عليها إن ذكر الله تعالى الدعاء بين آيات الصيام "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان " في هذا إشارة واضحة على أهمية الدعاء، ومن منا لا يحتاج أمراً من خالقه، هداية بعد ضلال شفاء من كل سقم علم بعد جهالة، توبة بعد معصية، سعة في رزق والقائمة تطول، فاحرص يرعاك الله على الدعاء في هذا الشهر الكريم وبالذات في السَحَرِ الأخير من الليل، ولا تنساني من دعائك.