المنطقة تغلي، فهي حافلة بالأحداث الخطيرة، التي تمتد من استمرار التهويد في فلسطين وسن قوانين لتمليك حدائق القدس لجمعيات يهودية إلى بناء المزيد من المستوطنات، والتهجير والإرهاب، إلى التهديد بإلغاء اتفاق أوسلو من قبل نتنياهو وأركان حكومته ردّاً على محاولات محمود عباس الذهاب إلى الأمم المتحدة لإعلان دولة فلسطين، وجهد إسرائيل لإسقاط ذلك بدعم من الولايات المتحدة التي لا تدفع في اتجاه التسوية، وتحمي إسرائيل، ولا تقبل في الوقت ذاته خطوة من الفلسطينيين دفاعاً عن حقوقهم! وبالإضافة إلى ذلك ثمة مشكلة التنقيب عن النفط التي ظهرت فجأة في المياه اللبنانية. إسرائيل لها أطماع بالتأكيد، تركيا متضررة لأن اتفاقاً وقعته قبرص اليونانية مع إسرائيل، وهي لا تقر لا بقبرص هذه ولا باتفاقها. أما لبنان المعني، فغارق في تحليلات وتأويلات وتقديرات وتخمينات حول حدود المنطقة وكميات الغاز والنفط، ولا أحد يملك الحقيقة كما لا أحد يتصرف بمسؤولية، فالأرقام والمعلومات أصبحت مشاعاً في متناول أي كان، علماً أن هذه الثروة هي جزء من الأمن القومي اللبناني، وبالتالي هي سرّ من أسرار الدولة. لكن لا سر في لبنان. بل دعوة دائمة: إلى الانقسام سر! إلى الفوضى سرّ! وهذا صراع قد ينذر بعواقب كثيرة. الوضع في سوريا وليبيا ومصر وتونس واليمن والبحرين والعراق مفتوح على كل الاحتمالات والصراعات المذهبية الطائفية، تنذر أيضاً بتطورات دراماتيكية تهز وحدة هذه الأقطار وتلك الديار! ناهيك عن إيران، ونووياتها، وامتداداتها وصراعاتها والغرب في مواجهتها، قضية شائكة قائمة بحد ذاتها. وكأن ذلك لا يكفي حتى حصلت مجزرة النرويج وكشفت ما كشفت، وتبين أن ثمة من استند في التخطيط والتنفيذ إلى نظرية إيديولوجية ضد الإسلام والمسلمين، وكان لا بد من رسالة قتل المسيحيين هناك للتحذير من هذا "الخطر"! جريمة هزت العالم لساعات، ثم هدأت الأمور لأن المجرم ليس مسلماً أو عربياً ولم يقرأ كثيرون أبعادها! كل هذا مهم وخطير، لكن ثمة مسألة ينبغي الوقوف عندها، وهي أخذت حيزاً كبيراً من الاهتمام في الإعلام، إلا أن الواقع على الأرض يظهر تفاقمها أكثر ويبرز مخاطرها أكثر. هذه المسألة تكمن في المجاعة التي يتعرض لها الصومال خصوصاً، وفي القرن الأفريقي عموماً. المجاعة في بداية القرن الحادي والعشرين التي تذّكر بمجاعة بدايات القرن الماضي. لكن المجاعة السابقة ترافقت مع حروب ذهب ضحيتها ملايين من الناس قتلاً ، وملايين ربما جوعاً! اليوم ليس ثمة حروب بالمعنى الشامل. ليس ثمة حروب عالمية بعد! قد تكون؟ لا أدري. ربما. لكن المجاعة اليوم موجودة. 12 مليون شخص في القرن الأفريقي مهددون بالموت. الأمر يتعلق بفقر مدقع، وبمجاعة حقيقية، وأصوات ترتفع من هنا وهناك تتحدث عن "فضيحة هذا الزمان". نعم، هي فضيحة المعلومات تتحدث عن مليار ومئتي مليون دولار قيمة الحاجات الضرورية الملحة. ولا يتوفر هذا المبلغ حتى الآن! هذه هي الفضيحة أيضاً. وفي الوقت الذي كنت أقرأ فيه أخبار هذه المجاعة والصرخات المتتالية لمعالجتها، لفت انتباهي خبر عن بناء أغلى يخت في العالم. نعم، رجل أعمال ماليزي بنى يختاً مصفحاً بالذهب، كلفه خمسة مليارات دولار! يخت من الذهب. وفقراء يموتون جوعاً. مجاعة القرن، في القرن الأفريقي، تحتاج إلى مليار ومئتي مليون دولار للمعالجة، وفرد يمتلك يختاً مذهباً بقيمة خمسة مليارات... أين الإنسانية؟ مجاعة القرن، في القرن الأفريقي، لكن إسرائيل وأميركا وبعض دول الغرب، تتسابق على ثروات أفريقيا. تسرقها، تصادرها. والفساد والرشوة والقتل والإرهاب وتنظيم الحروب، مشروع لتحقيق هذا الهدف. وفي أميركا مادوف يبدد 70 مليار دولار في عمليات احتيال مصرفية ولا أحد ينتبه. واليوم في فرنسا حديث عن فضيحة مالية أدارها شخص استثمر أموال الناس في تعاونيات ومشاريع صغيرة، فتبدد كل شيء حتى أسماه البعض "مادوف الصغير". يقول الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون: "لا بد من تحرك عالمي. ثمة عائلات تتطلع إلى أطفالها يموتون جوعاً". "لا أقبل أن يكون ما يجري قَدَرَ الناس"، كما قال بعض الجوعى في تعبير عن يأسهم. ويطلق وزير الزراعة الفرنسي "برونو لومير" صرخة: "اليوم نتحدث عن الأمن الغذائي في أفريقيا. غداً سنواجه التحدي في أمكنة أخرى. المطلوب تضامن أكبر ضد الجوع، ونظرة واضحة إلى الأزمة، وتعاون أكبر ومكابرة أقل"."المطلوب إنقاذ البشرية"، وزيادة المساحات المزروعة، ومضاعفة الإنتاج الزراعي. بنوعية جيدة للرد على الحاجات العالمية". إن المجاعة هذه ستؤدي إلى مزيد من النزوح، وبالتالي الفوضى، وإغراق مناطق آهلة بمزيد من السكان، مما يعني زيادة الحاجات غير المتوفرة. كذلك ستتفشى الأمراض وسنشهد كنتيجة طبيعية استخداماً للناس في الحروب. وبالتالي، من تصحّر إلى تغيّر مناخي، إلى تسابق نووي. إلى نقص في المياه. ونقص في الأراضي المزروعة إلى هجرة وتجارة سلاح، وفساد، يبدو الأمن الغذائي مهدداً أينما كان، فهل نستغرب ما يجري اليوم، والمسألة تحتاج إلى رؤية وقرار وإمكانات. والإمكانات متوفرة إذا أحسنّا إدارتها أما الرؤية فغائبة حتى الآن من مراكز القرار، لأن الموجودين فيها ليسوا على المستوى المطلوب. هذه أميركا تواجه خطر الإفلاس بسبب عدم الاتفاق على جدولة ديون. هذه أميركا التي قدمت نفسها حاكمة العالم أفلست في السياسة وكذلك في إدارة المال. والعالم يجوع! لننظر نظرة إنسانية على الأقل إلى هذه المجاعة الأفريقية. غازي العريضي وزير الأشغال العامة والنقل اللبناني