قبل أربع سنوات توقع "دويل مايرز" المتخصص في الديموغرافيا من جامعة جنوب كاليفورنيا أن الأميركيين في المستقبل القريب قد لا ينشغلون بالعدد الكبير للمهاجرين المكسيكيين غير الشرعيين بقدر ما سيهتمون بتوفير التعليم والتدريب الجيدين للمهاجرين المتواجدين أصلاً على التراب الأميركي. ويتساءل "مايرز" في كتابه "المهاجرون وجيل الطفرة السكانية في أميركا: من أجل تعاقد جديد لمستقبل أميركا": من سيملأ الوظائف الشاغرة بعدما يخرج منها ملايين المتقاعدين من السكان البيض في ولاية كاليفورنيا؟ ومن سيشتري بيوتهم؟ يجيب "مايرز" أن نسبة كبيرة من المتقاعدين سيعوضهم المهاجرون وأبناؤهم باعتبارهم الشريحة الأكبر من قاطني كاليفورنيا في سن العمل وشراء البيوت، فضلا عن أنها تمثل نسبة متزايدة من سكان الولايات المتحدة. وفي الوقت نفسه سيكون للتراجع الحاد في نسبة الولادات بالمكسيك على امتداد العقد المقبل تأثير واضح في خفض القوة العاملة في المكسيك، وبالتالي الحد من الحاجة إلى الهجرة في ظل نمو الاقتصاد وظهور وظائف جديدة تستقطب المهارات المحلية، وفي غضون العقد أو العقدين المقبلين قد تحتاج كاليفورنيا إلى المزيد من اليد العاملة القادرة على شراء البيوت في الولاية. والحقيقة أن نتائج التعداد الذي أجري على نسبة شراء المنازل في كاليفورنيا، بالإضافة إلى التقارير الاقتصادية والديموغرافية سواء في الولاية أو في المكسيك، تؤكد الحاجة المستقبلية للمهاجرين الماهرين القادرين على اقتناء المنازل، وهي الشريحة المتواجدة أصلاً في كاليفورنيا وباقي الولايات ما يحتم الاستثمار في تعليمها وتدريبها استعداداً لمستقبل تشير جميع الإحصاءات أن المتقاعدين من السكان سيتزايد عددهم في السنوات المقبلة. ومن بين التقارير في هذا السياق ما كشفه تقرير "مايرز" في الشهر الماضي من تحولات ديموغرافية وعرقية تشهدها كاليفورنيا، وتؤثر تأثيراً مباشراً على عملية شراء المنازل. ففيما تستمر أعداد مالكي البيوت من السكان البيض في الانكماش منذ ثمانينات القرن الماضي وحتى العقد الأول من القرن الحالي بسبب الانتقال إلى ولايات أخرى أو العيش في أماكن ترعاها الحكومة، أو حتى بسبب الوفاة، ارتفع الإقبال على شراء بيوتهم من قبل السكان المنحدرين من أصول لاتينية وليس من البيض. وفي العقد الأول من الألفية الثالثة انخفض العدد الإجمالي لمالكي البيوت في الولاية من البيض إلى 158 ألف شخص وحتى في الوقت الذي تراجعت فيه نسبة امتلاك المنازل في كاليفورنيا تصاعد الرقم في أوساط السكان من أصول لاتينية بحوالي 384 ألفاً وهو ما يفوق نسبة 78 في المئة من إجمالي المنازل المملوكة في الولاية، وقد أشار "مايرز" في كتابه أن الأسماء الأكثر تداولاً في لائحة مشتري المنازل بكاليفورنيا هي "جارسيا" و"هرنانديز" و"رودرويجيز". وعلى المستوى الوطني تحتل تلك الأسماء المرتبة الرابعة من بين كل عشرة أسماء أميركية، ويضيف مايرز "إن السكان الشباب من أصول لاتينية وآسيوية هم من يعوضون التراجع في الطلب على المنازل من قبل البيض"، بل إنه في السنوات المقبلة سيتراجع أكثر طلب السكان البيض على شراء المنازل لاستبدال سكانها الحاليين الذين سيتقاعدون ليبقى السؤال الحقيقي وفقاً لمايرز هو "من سيلتقط الطلب مرة أخرى؟ ومن سيشتري تلك المنازل بعدما تفرغ من سكانها؟". وبالإضافة إلى ذلك هناك سؤال آخر لا يقل أهمية يتمثل في من سيتوفر على المهارات الأساسية سواء في كاليفورنيا أو غيرها من الولايات لشغل الوظائف التي سيتركها المتقاعدون البيض؟ ففي الوقت الذي تركز فيه وسائل الإعلام انتباهها على حروب المكسيك ضد عصابات المخدرات ويحتدم النقاش الداخلي حول قضية الهجرة تظل القصة الأهم في كل ذلك غائبة وهي نمو الاقتصاد المكسيكي والفرص المتزايدة التي يوفرها للمتعلمين وأصحاب المهارات. وبالتزامن مع ذلك هناك أرقام تشير إلى تراجع أعداد المهاجرين السريين الذين يدخلون أميركا حيث تقلص إجمال المهاجرين غير الشرعيين الذين يعيشون في الولايات المتحدة من 12 مليوناً إلى 11 مليوناً. كما انخفض عدد المهاجرين بدون أوراق الذين يتم اعتقالهم على الحدود، فحسب مركز "بيو هيسبانيك" تقلص عدد عابري الحدود إلى الولايات المتحدة من 525 ألفاً خلال السنوات الأولى من القرن الحالي إلى أقل من 100 ألف في السنة الماضية، ويفسر بعض هذا الانخفاض في عدد المهاجرين إلى الصعوبات الاقتصادية في الولايات المتحدة، علاوة على القوانين الصارمة التي تحد من تسلل المهاجرين. لكن السبب الأبرز قد يعود إلى تقلص نسبة المواليد في المكسيك نفسها وتحسن الاقتصاد هناك، حيث بات أكثر قدرة على استيعاب اليد العاملة المحلية، لذا فإن المعضلة الأكبر بالنسبة لنا خلال العقود المقبلة ليس في إغلاق الحدود أمام المهاجرين، بل في توفير الفرص المناسبة للمهاجرين داخل أميركا، وبخاصة التعليم العالي لهم ولأبنائهم، لكن بدلا من ذلك تتشدد ولاية كاليفورنيا في إعداد مهاجريها وتفرض عليهم شروطاً تعجيزية لولوج الجامعات، رغم أن شريحة كبيرة من السكان البيض يستعدون للذهاب إلى التقاعد ومعهم المهارات التي راكموها على مدى السنوات، وهو ما يفرض نوعاً جديداً من التعاقد بين المهاجرين والسلطات تتيح لهم فرصاً أكبر للاستفادة من الخدمات الاجتماعية والتعليم في مقابل الانتفاع من قدرتهم على دفع الضرائب من جهة وشراء المنازل من جهة أخرى حتى تبقى عجلة الاقتصاد مستمرة دون توقف. بيتر شراج كاتب أميركي متخصص في شؤون الهجرة ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي. إنترناشونال"