حروب صغيرة وهزائم كبيرة ---------------------- يقدم كتاب "خسارة حروب صغيرة... الإخفاق البريطاني العسكري في العراق وأفغانستان"، لمؤلفه "فرانك ليدفيج"، المحامي السابق والذي خدم في كوسوفو والعراق وأفغانستان، نقداً لاذعاً للأسباب التي جعلت القوات المسلحة البريطانية تؤدي أداءً سيئاً في آخر حربين خاضتهما وهما حربا أفغانستان والعراق. ومن بين الكتب العسكرية العديدة التي أغرقت الأسواق في السنوات الأخيرة، هناك عدد قليل منها كان دقيقاً في تحديد الأسباب التي أدت لتلك الهزائم، ومنها هذا الكتاب الذي يشرح بتفصيلات محددة ومؤلمة أحياناً، الأسباب التي أدت إلى تعرض الجيش البريطاني للإذلال في العراق. يقول المؤلف إن أي أحد لديه اهتمام متواضع بالشؤون الدولية كان سيدرك على الفور أن المشكلات التي واجهتها القوات البريطانية في العراق، قد نبعت أساساً من الإخفاق في التخطيط لمرحلة ما بعد الحرب، أي للشهور التي تلي حسم المعركة لصالح الأميركيين والبريطانيين. فبعد إلحاق الهزيمة بالجيش العراقي، تولت القوات البريطانية المسؤولية عن قطاع البصرة عاصمة الجنوب، لكن بدلاً من أن تحكم تلك القوات قبضتها على المدينة، وتوفر الأمن والاستقرار لسكانها، إذا بالأحوال فيها تنحدر إلى فوضى دموية بسبب مقاومة سكانها من جهة ونشاط الجماعات المسلحة المعارضة للاحتلال من جهة ثانية. ويشرح المؤلف أسباب ذلك الوضع الذي كان، من وجهة نظره، كارثياً بالنسبة للقوات البريطانية، وهو يقوم بمراجعته تلك بعد انتهاء الأحداث التي يتناولها في كتابه بفترة زمنية طويلة، ما يمكن أن يكون مثيراً للأعصاب، لأنه يفتح المجال للتفكير في أنه إذا ما كان الجيش البريطاني قد قام بهذا الشيء أو ذاك، فإنه كان كفيلاً بتجنيبه مأزقاً معيناً، إلا أنه لم يفعل ذلك رغم عدم وجود سبب واضح. ويوجه المؤلف انتقادات حادة لقادة القوات البريطانية، سواء في العراق أو في أفغانستان، فيقول في الفصل الثاني: "إن الغالبية العظمى من الجنود البريطانيين في البصرة، وبعد ذلك في هلمند، لم يغادروا مواقعهم ولم يتخلوا في أي وقت عن الأمان الذي كانت توفره قواعدهم العسكرية الحصينة" . وعندما نشر هذا الكتاب لقيت هذه النقطة تحديداً انتقاداً عنيفاً من النقاد خصوصاً العسكريين منهم الذين رأوا أن ما قاله المؤلف يمثل إهانة لسمعة القوات المسلحة البريطانية، وأنه لم يكن دقيقاً في كلامه، وأنه إن كانت تلك القوات تميل عامة إلى تحصين نفسها، فإن ذلك لم يكن يحول بينها وبين الخروج من قواعدها الحصينة، عندما كانت الظروف تستدعي ذلك، والاشتباك في معارك عنيفة مع مقاتلي "طالبان"، وهي معارك خسرت فيها أعداداً كبيرة من الجنود. وإلا فهل يعقل أن الجنود البريطانيين الذين ماتوا في الحربين، ويقدرون بالمئات، أو الذين جرحوا، يقدرون بالآلاف، قد ماتوا وجرحوا داخل قواعدهم؟! كما لا يعقل أن أي قوات بريطانية أو خلافه، يمكن أن تتواجد في بلد معين سواء العراق وأفغانستان لعقد كامل من الزمن تقريباً، من دون أن تقوم بدوريات لحماية أماكن وجودها على أقل تقدير! وقد علق بعض القادة العسكريين البريطانيين في مقالات نشرتها في الصحف، وتركزت في معظمها على تأكيد نقطة محددة، وهي أن كل حملة عسكرية تتضمن انتصارات وإخفاقات، لحظات مد ولحظات جزر، فذلك يجزئ من طبيعة الحرب. وكان ممن كتبوا تلك المقالات ضابط برتبة عالية قال: "إن القوات البريطانية مصممة على خوض الحملات الخارجية، وإن توقعات قادة هذه القوات عادة ما تكون هي أن احتمال تدهور الأمور في المناطق التي يحاربون فيها أكثر من احتمالات تحسنها، وأن المهم هو أن يتم تحقيق الهدف من الحملة في نهاية المطاف". ورغم تلك الانتقادات التي وجهت للكتاب، فقد حظي بثناء عدد لا بأس به من الخبراء الذين رأوا أن أخطاءه محدودة في عددها، وأن المؤلف قد تمكن عبر ما أورده من تفاصيل أن يثبت أن أداء تلك القوات لم يكن حسب المأمول، وأنها تعرضت لهزائم بعضها كان مذلاً، وأنه رغم ذلك الإذلال، لم يتم حتى الآن تقديم أي قائد من القادة الكبار للقوات البريطانية في العراق وأفغانستان للمساءلة والحساب. وينهي المؤلف كتابه بالقول إن الجيش البريطاني حالياً يواجه ما يسميه المؤرخون العسكريون "لحظة الفرس والدبابة"، أي اللحظة التي يجب أن يقرر فيها الانتقال من وسيلة قتالية إلى أخرى أكثر تطوراً لأن الأمور تستلزم ذلك. وهو يرى أن "المراجعة الاستراتيجية" التي أجريت مؤخراً في بريطانيا، كانت تمثل فرصة ذهبية لجيشها كي يعيد اكتشاف نفسه، وأن الزمن وحده كفيل بتبيان ما إذا كان المسؤولون عن وزارة الدفاع البريطانية قد اتخذوا الخيارات الاستراتيجية المصيرية المطلوبة أم لا. سعيد كامل الكتاب: خسارة حروب صغيرة... الإخفاق البريطاني العسكري في العراق وأفغانستان المؤلف: فرانك ليدفيج الناشر: ييل يونيفرستي برس تاريخ النشر: 2011