في شهر مارس الماضي، كان النازحون يأتون في أعداد قليلة إلى معسكرات الإغاثة في إثيوبيا عبر مدينة "دولو" الصومالية التي لا تبعد سوى أميال قليلة عن الحدود الإثيوبية. أما الآن فقد تحولت الأعداد القليلة المتسربة إلى طوفان من النازحين الذين يأتون حاملين معهم أكياساً صغيرة وضعوا فيها كل ما يمتلكون من ثياب وطعام قليل. و"أطفال هؤلاء النازحين نحيفون وبعضهم بالغ النحافة حتى لتكاد عظامه تخرج من جلده، كما يبدو معظمهم أصغر كثيراً من سنه، لكنهم يعتبرون محظوظين مع ذلك، لأنهم تمكنوا أخيراً من الوصول دون أن يموتوا في الطريق ككثيرين غيرهم. وللوصول إلى هذا المدينة، اضطر كثير من الصوماليين الهاربين من المجاعة إلى السير عبر أراض قاحلة لعشرات لمئات الأميال أحياناً. ومعظمهم مرّ في طريقه على جثث أمهات وأطفال وكذلك جثث عجائز لم يتمكنّ من تحمل مشاق الرحلة. وبعد انقطاع سقوط الأمطار طيلة هذه الفترة، ماتت المواشي، وارتفعت أسعار المواد الغذائية، لم يتمكن الصوماليون من توفير حاجاتهم، واضطروا أخيراً وتحت وطأة الأزمة إلى التخلي عن أي تظاهر بالقدرة على الاعتماد الذاتي. ويبدو أن أي أمل كان يراود الصوماليين بأن يهرع العالم لإنقاذهم، قد خبا، خصوصاً بعد أن قامت حركة "شباب المجاهدين" المرتبطة بـ"القاعدة"، والتي تسيطر على مناطق واسعة من أرض الصومال، بمنع منظمات الإغاثة الدولية من تسليم المساعدات للسكان القاطنين في تلك المناطق، بحجة أنها منظمات تقوم بمهام تبشيرية تحت غطاء عمليات الإغاثة. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، حيث فرضت الحركة على الصوماليين العاديين أن يسلموها أطعمة وسلعاً متنوعة كنوع من الأتاوة، وهو ما فاقم من حجم المعاناة التي يواجهها هؤلاء السكان. والأسوأ أن تلك الحركة لا تعترف أصلاً بأن ثمة حالة مجاعة في الصومال، وتقول إن ما تعلنه الأمم المتحدة حول موت عشرات الآلاف من الصوماليين جراء المجاعة، ليس سوى مبالغات. لكن الحقيقة أن هناك 170 ألف صومالي قد فروا من المناطق التي ضربها الجفاف إلى معسكرات الإغاثة المكتظة أصلاً باللاجئين الصوماليين في كينيا وإثيوبيا المجاورتين منذ يناير الماضي، وفقا لمصادر الأمم المتحدة يوم الاثنين الماضي. وقالت تلك المصادر إن هناك 1300 صومالي يصلون إلى كينيا، و1700 يصلون إلى إثيوبيا يومياً (في المتوسط)، وإن العديد منهم يصل من رحلته الشاقة وهو يحمل آثاراً صحية ونفسية جراء وعورة الطريق وما يشاهده على امتدادها من أهوال. "سكون محمد"، امرأة صومالية سارت على قدميها مسافة 130 كيلو متراً عبر أراض قاحلة ضربها القحط والجفاف سعياً للوصول إلى أحد معسكرات الإغاثة، طلباً للمساعدة من أجل صغيرها الذي كان يعاني من المرض والهزال. تقول "سكون"، وقد اختنق صوتها بالدموع: "إذا كان الله يريد له أن يموت فسيموت"، وينخفض صوتها قليلاً ثم تواصل في حزن شديد:"لقد رأيت موتى كثيرين في الطريق". وتقول "جوزيت شيران"، المدير التنفيذي لبرنامج الغذاء العالمي، في تصريح للصحفيين في نيروبي نهاية الأسبوع الماضي:"إن الطرق التي يسير عليها الصوماليون الهاربون من المجاعة، قد تحولت إلى طرق للموت... فنصف عدد النساء اللائي تحدثت إليهن تركن أطفالهن يموتون في الطريق، ومن قدر له الوصول إلى معسكرات الإغاثة معرض للموت بسبب سوء حالته". وتقول "سكون"، التي كانت قد وصلت هي والعشرات غيرها إلى هذه المدينة الحدودية، بعد رحلة استغرقت شهراً، وهي تحمل طفلها العليل الذي استكان على ذراعها غير قادر على الحركة تقريباً، إن المنطقة التي جاءت منها لم يكن بها أطباء ولا منظمات إغاثة. وتواصل في صوت باكٍ قائلة: "أناشد المجتمع الدولي أن يوزع علينا الدواء حتى أجد العلاج لطفلي المريض، ولكي أوفر الطعام لعائلتي الفقيرة... إذ لم نحصل على أي مساعدة حتى الآن". ويشار إلى أن المرة الأخيرة التي ضربت المجاعة الصومال بهذه الحدة كانت في عام 1992، حيث مات مئات الألوف من الصوماليين جراء القحط، وهو ما دعا الولايات المتحدة في حينه لبدء مهمة لحفظ السلام في الصومال، حتى توفر الظروف الملائمة لتوزيع مساعدات الإغاثة على السكان الذين يتضورون جوعاً. غير أن تلك المهمة انتهت نهاية تعسة بمصرع 18 جندياً أميركياً أسقطت طائرتهم العمودية بواسطة صوماليين تابعين لأحد أمراء الحرب الأقوياء. وفي مدينة مقديشو التي ضربتها الحرب الأهلية، أعلنت مصادر الأمم المتحدة الأسبوع الماضي رسمياً عن وجود حالة مجاعة مؤكدة في إقليمين من الأقاليم الجنوبية الصومالية، كما تنبأ موظفو منظمات الإغاثة العاملة في الصومال بأن جنوب السودان بأكمله سينضم لهذه القائمة خلال شهر أو شهرين. وتشير إحصائيات الأمم المتحدة إلى أن هناك ما يقرب من 3.2 مليون صومالي بحاجة إلى مساعدات عاجلة لإنقاذ حياتهم. ووفقاً لبيانات برنامج الغذاء العالمي يموت ما بين 19 و24 طفلاً يومياً من بين كل 1000 طفل صومالي في بعض المناطق. سودارسان راجافان - الصومال ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"