في الثاني والعشرين من الشهر الجاري، نشرت الصحافة الإسرائيلية دراسة لمركز بحوث الأمن القومي في جامعة تل أبيب الإسرائيلية، بعنوان "زلزال الشرق الأوسط". وأهمية هذه الدراسة كونها محاولة لفهم وتحليل ما يجري في المنطقة العربية من احتجاجات شعبية وفق المنظور الإسرائيلي، ووضع مثل هذه التطورات تحت مجهر البحث والتشخيص، لمعرفة انعكاساتها المستقبلية على إسرائيل، والسيناريوهات المحتملة للواقع الذي ستصبح عليه سياسة المنطقة تجاه الدولة العبرية. وطرحت الدراسة نقاطا مهمة، تشمل الفوائد العديدة التي حققتها إسرائيل من اتفاقية "كامب ديفيد" التي أضعفت احتمالات المواجهة العسكرية بينها وبين مصر طوال 32 عاما، مما سمح لإسرائيل بشن ثلاث حروب ضد لبنان وتنفيذ عمليتين عسكريتين واسعتين في الأراضي الفلسطينية، انطلاقاً من معرفتها بأن "مصر مبارك" لن ترد على ذلك عسكرياً. وهو ما أدى إلى تعزيز الأمن الإسرائيلي، وسمح للاقتصاد الإسرائيلي أن يقوى ويتفوق لتصبح إسرائيل رابع دولة في تجارة السلاح عالمياً. هذه الدراسة هي جزء من من سيل الكتابات والتحليلات التي ظهرت في الصحافة الإسرائيلية منذ يناير الماضي، مع انفجار شرارة الثورات الشعبية والعربية، وقد كانت في غالبيتها ترصد مؤشرات الثبات والتغير في الحالة العربية، حيث دارت نقاشات بين النخب الإسرائيلية حول تلك المؤشرات ذات الطبيعة الاستراتيجية أو التكنيكية. وفيما رأى فريق أن السلام البارد بين مصر وإسرائيل سوف يزداد برودة، توقع فريق آخر حروباً عربية إسرائيلية قادمة وطالب قيادة الدولة العبرية بالاستعداد لذلك، كما جاء في مقال العميد ران بيكر بعنوان "مخطط الحرب القادمة" المنشور في صحيفة "يديعوت أحرنوت" بتاريخ 2011/7/12. هذا إلى جانب فريق ثالث وجد في الثورات العربية تأثيراً مباشراً على الأسس التي قام عليها سلام إسرائيل، حيث رأى الدكتور نهاد علي أستاذ علم الاجتماع بجامعة حيفا في بحثه حول النخب الإسرائيلية، أن الغالبية العظمى من تلك النخب لا زالت تعيش "وهم أنّ ما كان في الماضي هو ما سيكون في المستقبل"، مُراهِنةً على إخفاق الثورات العربية في نقل مجتمعاتها نحو الديمقراطية. وأرجع الباحث هذا التصور إلى خوف النخب الإسرائيلية من تغيير وزن وثقل الشارع العربي في توجه القرار العربي الرسمي. وهناك فريق رابع أبدى خشيته من وحدة العالم العربي، ومن أن تكون ثوراته الحالية بدايةً لمشروع وحدة كما حدث في أوروبا، لذلك يطالب هذا الفريق بالبحث عن شقوق في الجسد العربي للتغلغل خلالها وإفشال مثل ذلك التوجه، سواء باستغلال المصالح الضيقة لبعض النخب العربية، أو بتحريض الأقليات العرقية والطائفية ودفعها للمطالبة بالانفصال، كما حدث في جنوب السودان، مع تقديم الدعم الإسرائيلي لمثل تلك المطالب الانفصالية. هذا الفريق يطالب أيضاً بالاستفادة من دول الجوار التي تعارض الوحدة العربية، وباستخدام نفوذ الدول الكبرى التي ترفض مثل تلك الوحدة. وحسب "شلوموا فنري" في مقاله "الجنوب دولة هزيلة لا حدود مقدسة"، والمنشور في صحيفة "هآرتس" بتاريخ 2011/7/15، فإن الصهيونية من دون دعم القوى العظمى لن تقوم لها قائمة، و"أنه لا يكفي أن تكون محقاً، بل يجب أن يكون لك دعم من القوى العظمى".