لقي 76 نرويجياً مصرعهم في هجوم إرهابي يوم الجمعة الموافق 22 يوليو. وهذا الهجوم هو أسوأ حادث عنف في تاريخ النرويج منذ الحرب لعالمية الثانية. وكان معظم الضحايا الذين سقطوا في هذه المذبحة من الشباب الذين كانوا متجمعين على جزيرة "أوتويا" بالقرب من العاصمة أوسلو للمشاركة في معسكر عمل نظمه الحزب الحاكم. وحتى اليوم لم يتم اتهام سوى رجل واحد فقط بارتكاب الجريمة هو "اندرس بيرينج بريفيك" الذي اعترف بارتكابه المذبحة، وأرشد المحققين إلى 1500 صفحة على شبكة الإنترنت توثق للقضية. وبريفيك نرويجي أشقر طويل القامة، يبدو أنه يتبنى آراء تدعم مواقف الجناح اليميني المتطرف التي ترى أن أوروبا قد سمحت للكثير من المهاجرين، وخصوصا المسلمين، بالقدوم للعديد من دولها مثل النرويج، وأن الحكومات اليسارية التي تتولى الحكم في بعض البلدان الأوروبية قد تبنت مبادئ "التعددية الثقافية" بأمل إدماج المهاجرين في المجتمع الغربي، وأن هذه السياسات قد ثبت فشلها بعد ما ألحقت أضراراً عديدة بالنسيج الاجتماعي للدول الأوروبية وخصوصاً تلك التي تضم أعداداً كبيرة من المهاجرين. والصدمة التي تعرضت لها النرويج بسبب تلك المذبحة هائلة ولا يمكن قياس آثارها في الوقت الراهن. ومن المعروف أن عدد سكان النرويج يبلغ خمسة ملايين نسمة على وجه التقريب، وإذا ما قارنا هذا العدد بعدد سكان الولايات المتحدة البالغ 307 ملايين نسمة، فسندرك أن مصرع 76 شخصاً، وهو عدد النرويجيين الذين قتلوا في المذبحة الأخيرة، يعادل مصرع 4500 أميركي (بالنسبة لعدد سكانها) أي أكثر من عدد من قتلوا في هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2011، الهجمات التي مثلت ضربة مروعة للولايات المتحدة. ومما فاقم من حجم الصدمة التي أصيب بها النرويجيون، أن القاتل كان واحداً منهم، وأنه بدا متشوقاً للحديث عن جرائمه، ولم يُبدِ أي نوع من الندم على ارتكابه لهذه الجريمة البشعة. وعلى الرغم من أن تلك المذبحة تبدو مقلقة لدرجة استثنائية للنرويج وأوروبا على حد سواء، إلا أنها تعكس الصعود الجديد للجناح اليميني المتطرف في أوروبا، والذي بدأ يطفو على السطح في العديد من البلدان الأوروبية، ويطرح العديد من الأسئلة عن سياسات الهجرة المتبعة وعن كيفية التعامل مع المشكلات التي تمثلها. ويشار في هذا السياق إلى أن الأحزاب اليمينية في هولندا والسويد، والنرويج وفرنسا، قد حققت مكاسب واضحة في الانتخابات الأخيرة التي جرت بها، وأن التصريحات التي يدلي بها قادة اليمين في بريطانيا وفرنسا وألمانيا، قد عززت الاعتقاد بأن سياسة التعددية الثقافية قد فشلت بالفعل في أوروبا، وأن هناك نوايا للتخلي عنا. وإذا ما أضفنا إلى ذلك الشكاوى المتكررة من المظالم، والاضطرابات السياسية المستمرة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وأجزاء من وسط آسيا، وشرق أفريقيا، فسندرك أن الموقف يزداد سوءاً. وبعد ذلك، تأتي ظروف الجفاف المخيفة، ونقص الغذاء في أفريقيا لتجعل الصورة السياسية أكثر قتامة بشكل عام. فنتيجة لكل تلك الظروف والملابسات، بات الملايين من المواطنين من دول العالم الإسلامي وغير الإسلامي، متشوقين إلى الهجرة لأوروبا بحثاً عن حياة أفضل يعتقدون أنهم سيجدونها هناك. ونظراً لصعوبة الهجرة بصفة شرعية إلى أوروبا في الوقت الراهن، فإن الراغبين في الهجرة لا يجدون أمامهم سوى محاولة الهجرة بشكل غير شرعي وعبر رحلة محفوفة بالمخاطر يعبرون خلالها البحر الأبيض المتوسط إلى الجزر الإيطالية والإسبانية الجنوبية، ليجدوا عند ملامستهم للبر الأوروبي، إذا ما قدر لهم أن يصلوا سالمين، أنهم قد وصلوا إلى أوروبا في أسوأ توقيت ممكن. فأزمة العجز عن سداد الديون المستحقة في موعدها، والتي تواجه عدداً من الدول الأوروبية في الوقت الراهن، عرّضت اقتصادات تلك الدول التي يقع معظمها في جنوب القارة للخطر، وأثارت مخاوف دول الشمال من أن تجد نفسها مضطرة لتقديم حزم إنقاذ لتلك الدول لمساعدتها على الخروج من المأزق الحرج الذي تواجهه. وفي الوقت الراهن تسعى معظم الدول الأوروبية إلى تطبيق برامج تقشفية صارمة تقلل فيها من حجم الخدمات الاجتماعية المقدمة لمواطنيها، الذين لا يعتقد -في مثل هذه الظروف- أنهم سينظرون بتعاطف لانضمام أعداد متزايدة باضطراد من المهاجرين القادمين من وراء البحار لصفوفهم. والحقيقة اليوم أن جميع الدول الأوروبية تجد نفسها مضطرة لمواجهة تهديد مزدوج يتمثل -بالإضافة إلى تهديد الانهيار الاقتصادي- في الاحتجاجات الداخلية التي تقوم بها شعوبها المتذمرة من الإجراءات التقشفية. ولاشك أن ظاهرة "الخوف من الأجانب وكراهيتهم" سوف تزداد تفاقماً في الوقت الراهن إذا لم يتم التحكم في موضوع الهجرة، وإذا ما استمر الخوف من التطرف الإسلامي والإرهاب، في التزايد. وإذا ما كانت النرويج ستمضي شهوراً طويلة في البحث في أعماق نفسها، عما يمكن أن يكون قد أدى إلى وقوع ذلك الحادث الرهيب في دولة اعتادت على العيش في هدوء وسلام مثلها، فإن ما لا شك فيه أن أوروبا والشرق الأوسط والولايات المتحدة مطالبين الآن بأن يدركوا جيداً أنه إذا لم يتم تحقيق بعض الاستقرار في الشرق الأوسط فإن مشاكله يمكن أن تزداد سوءاً. ومن هنا أهمية الحاجة إلى الاستعجال في إنهاء الحرب الليبية، وإعادة شيء من الهدوء والاستقرار ومظاهر الحالة الطبيعية في مصر، وسوريا واليمن والصومال، خصوصاً وأنه كلما طال أمد الفوضى والاضطرابات، كلما تعاظم التأثير السلبي على اقتصادات تلك الدول التي يعاني معظمها من مشكلات اقتصادية متنوعة. وبعض المتشائمين يقولون إن ظروف الجفاف في أفريقيا والشرق الأوسط، هي جزء من اتجاه مناخي عالمي يرجع حتماً إلى ظاهرة الاحتباس الحراري. ولعل ما نشهده في الوقت الراهن، هو المؤشرات الأولى الواضحة على التأثير المدمر لاحترار الكوكب، وعلى الفوضى التي يمكن أن يخلقها في العلاقات الدولية ما لم يتم عمل شيء لمعالجة آثاره، أو في أفضل الأحوال، وضعه تحت السيطرة.