تعد باكستان أحد بلدان الكومنولث، وتكتسي أهمية استراتيجية بالغة ليس بالنسبة للمملكة المتحدة فحسب، وإنما بالنسبة للعالم الغربي وآسيا أيضاً. فهذا البلد الجبلي، الذي يبلغ عدد سكانه 175 مليون نسمة، يمتلك قوة نووية صغيرة لكنها فعالة، ومع ذلك فإنه يواجه خطراً كبيراً لتحويل نفسه إلى دولة فاشلة فقيرة. والواقع أن الولايات المتحدة، التي تعد في حاجة ماسة لباكستان، مستعدة وقادرة على مساعدة إسلام آباد على الخروج من مشاكلها عبر تزويده بمبالغ كبيرة من المال وقدرات عسكرية ونصائح دبلوماسية. إلا أنه من المذهل والمخيف في آن واحد معرفة أن علاقتها بباكستان باتت قريبة من الانهيار. ففي وقت سابق من هذا الشهر، قالت واشنطن لإسلام آباد إنها ستوقف 800 مليون دولار من الأموال والمعدات التي تمنح لقوات الدفاع الباكستانية. ويذكر هنا أن أميركا كانت تمنح إسلام آباد مئات الملايين من الدولارات الأميركية من أجل مساعدة باكستان على الحفاظ على وجود 100 ألف جندي باكستاني على الحدود الطويلة مع أفغانستان، ولكن هذه المساعدات من المتوقع أن تنقطع الآن. وتشمل المعدات المعنية البنادق والذخيرة، والدروع لجنودها الذين تدربوا على أيدي ضباط عسكريين أميركيين. كما أوقفت أيضاً تصدير أجزاء قطع الغيار الخاصة بطائرات الهيلوكبتر ومعدات الرؤية الليلية. ومما لا شك فيه أن واشنطن قصدت من وراء هذه القرارات إيذاء إسلام آباد، وهي ستؤذيها بالفعل. وينبغي أن نتذكر هنا أن الهند، وليس الإرهاب الدولي، هي التي ينظر إليها باعتبارها الخطر الرئيسي داخل باكستان. وفي هذا السياق، قال كبير موظفي البيت الأبيض "ويليام دالي" لوسائل الإعلام إنه إذا كانت باكستان ترغب في مساعدات أميركية، فإن الولايات المتحدة ستضع الشروط. وباختصار، يمكن القول إن الأميركيين غاضبون من باكستان، لأنها قلصت حجم التعاون بشأن محاربة الإرهاب. ويأتي توقيت هذا التقليص عقب عملية قتل أسامة بن لادن، التي تعد أحدث حلقة ضمن مسلسل طويل من التوترات بين البلدين. فقد قُتل زعيم تنظيم "القاعدة" في عملية عسكرية ذكية وجريئة نفذتها وحدة من قوات العمليات الخاصة بدعم من "سي. آي. إيه"؛ وكان بن لادن مختبئاً في فيلا تتألف من ثلاثة طوابق في مدينة "أبوت آباد" العسكرية، والتي لا تبعد سوى بـ35 ميلاً عن العاصمة الباكستانية، وكان يقيم هناك لمدة خمس سنوات على الأقل. لم يسع الأميركيون للحصول على إذن من باكستان لتنفيذ الغارة التي قتلت بن لادن، مثلما لم يكونوا يعتقدون بأنه بالإمكان الوثوق في باكستان – ويمكن القول إن ارتيابهم كانت له أسباب قوية ووجيهة. ففي مناسبتين منذ الغارة التي استهدفت فيلا بن لادن، تعتقد الولايات المتحدة أن المتمردين تلقوا تحذيراً من قبل مسؤولين باكستانيين بشأن ضربات جوية أميركية مخطط لها. ثم هناك أيضاً اغتيال صحافي باكستاني، على يد عميل باكستاني ربما، كان قد كشف عن أدلة تفيد بأن "القاعدة" كانت لديها روابط مع القوات البحرية الباكستانية. ومن جانبها، تكره باكستان الهجمات التي تنفذها طائرات أميركية من دون طيار ضد قادة "طالبان"، هجمات تسفر عن مقتل مدنيين بشكل دوري. كما أنها تشعر بقلق كبير بسبب العدد الكبير لعملاء "سي. آي. إيه" الذين ينشطون في باكستان حاليا. والجدير بالذكر هنا أن باكستان كانت قد وافقت على مضض على دعم الولايات المتحدة في حربها الطويلة والمكلفة في أفغانستان. ذلك أن ثمة العديد من كبار الجنرالات الباكستانيين الذين يرغبون في أن تكون أفغانستان إلى جانبهم في حال اندلاع حرب أخرى مع الهند، والذين مازالوا ينظرون إلى "طالبان" باعتبارها قوة موالية لباكستان في الأساس. وفي هذا السياق، أعتقد أن باكستان مذنبة بخصوص التهمة التي وجهها إليها رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون: أن لدى باكستان نظرة مزدوجة تجاه الإرهاب. ولكن ما هو صحيح أيضاً أن باكستان، وهي دولة منقسمة على نحو سيء، شديدة الحرص على الحفاظ على علاقات جيدة مع القوة العظمى الأميركية، وذلك لأنها تدرك جيداً أنه مثلما أن أميركا تحتاج إلى دعم باكستان لها، فإن باكستان تعتمد كثيراً على المساعدات الأميركية. وهكذا، فضمن هذه العلاقة المعقدة بين أميركا وباكستان، يوجد، وراء المشاحنات العلنية المريرة، التي تجعل المراقبين الأجانب متشائمين، قدر مهم من التعاون. فعلى الرغم من أن الهجمات التي تنفذ بواسطة طائرات من دون طيار تفتقر للشعبية إلى حد كبير بين الناس في باكستان، إلا أنها مستمرة مع ذلك بشكل عادي من قواعد غير معروفة في بلوشستان. وبالتوازي مع ذلك، تقوم السلطات في باكستان بتقاسم المواد الاستخباراتية الحساسة جداً التي تركها بن لادن وراءه بمكان اختبائه. وسيكون من المغري رؤية التطورات التي ستعرفها باكستان خلال الأشهر المقبلة – وإن كانت تبعث على القلق بعض الشيء لأن الرهانات كبيرة جداً. غير أن إحدى المشاكل الرئيسية التي تواجهها باكستان هي حقيقة أن لدى الجيش الباكستاني تأثيراً كبيراً جداً بشأن الشؤون الخارجية والعسكرية للبلاد، وأن السياسيين المدنيين المنتخبين جد ضعفاء وغير فعالين. وتأسيسا على ما تقدم، فيمكن القول إن أمام الولايات المتحدة خيطاً دقيقاً لتمشي عليه؛ ذلك أن الكونجرس حريص على التأكد من وجهة كل دولار يذهب إلى باكستان في وقت تبدأ فيه حملة الانتخابات الرئاسية المقبلة. غير أنه إذا كان التقليص مبالغاً فيه بباكستان، فإن واشنطن يمكنها بالمقابل أن تفقد السيطرة على الوضع. السير سيريل تاونسند سياسي بريطاني من حزب "المحافظين"