العنف الأعمى يعكر سلام أوسلو...ونقد لاذع لـ"اليمين" البريطاني أصداء المذبحة الدامية في أوسلو، وتداعيات الأزمة المالية والاقتصادية في بريطانيا، والجدل الدائر بشأن صعود "اليمين" المتطرف... موضوعات شغلت اهتمام الصحف البريطانية هذا الأسبوع. يوم الجنون في افتتاحيتها ليوم الأحد الماضي، وتحت عنوان "العقل يجب أن يسود في محنة النرويج" تقول "الأوبزيرفر" إن النرويج كانت موضعاً للحسد باعتبارها الدولة الأكثر صحة وثروة وسلاماً في هذا العالم، وأن كل ذلك قد تغير يوم الجمعة الماضي بعد الأحداث المريعة التي وقعت في ذلك اليوم، والتي أدت إلى قتل 7 أشخاص في المنطقة التي تحتوي على معظم المباني الحكومية في قلب العاصمة "أوسلو"، وما تلاه من إطلاق نار من دون تمييز على أعضاء مخيم للشباب في جزيرة "أوتويا" القريبة من العاصمة في اليوم نفسه ما أسفر عن مصرع 86 قتيلاً. تمضي الصحيفة للقول بأن مهما كانت الدوافع التي تقف وراء تلك المذبحة، فإن ما لا شك فيه أن مثل هذا الهجوم وهو ما رآه أيضاً رئيس الوزراء النرويجي"ينس ستولتينبرج" يمثل تهديداً لنسيج الاجتماعي المتماسك للمجتمع النرويجي، وأنه موجه إلى المبادئ النرويجية التي طالما أثارت الإعجاب في الخارج وهي الانفتاح، وحرية التعبير كما تضرب في الصميم الإحساس بالاطمئنان والأمن والبعد عما يدور في هذا العالم من مشكلات وهجمات ومخاطر، وتوقعت الصحيفة أن تؤدي الملابسات التي أحاطت بالمأساة المزدوجة إلى تفجير سجال حاد في المجتمع النرويجي بشأن الأسباب المحتملة، التي تقف وراء ذلك الهجوم. وما إذا كان هناك أي تقصير أمني قد حدث وسمح بوقوعهما، وهل كان من الممكن في الأساس الحيلولة دون وقوعهما وتلافي هذا العدد الكبير من القتلى الذي خلف الكثير من الأسى والحزن في قلب كل بيت نرويجي. ورأت الصحيفة أن المفارقة الرهيبة بشأن ذلك الحادث الدامي هي أن الفتية الصغار الذين فقدوا حياتهم في الهجوم كانوا في ذلك المعسكر الذي استهدفه القاتل لنفس السبب، الذي ربما يكون هو الذي دفعه لارتكاب تلك المجزرة، وهو ما يتبين من تدويناته على الإنترنت، والتي تنضح بالكراهية للمهاجرين وللإسلام ولسياسة التعددية الثقافية، التي يقول إنها تهدد النقاء النرويجي، وهي التدوينات التي تهدف في جوهرها إلى الضغط على الحكومة النرويجية لإعادة النظر في سياسات الهجرة المتبعة حالياً. أشارت الصحيفة في هذا السياق إلى التصريح الذي أدلى به رئيس الوزراء "ستولتنبيرج"، والذي خاطب من خلاله الأمة النرويجية حيث قال: من المهم ألا نسمح لأنفسنا الشعور بالخوف من الهجوم، لأن الهدف من هذا النوع من الهجمات هو بث الخوف والرعب". وختمت بالقول إنه حتى في أوقات الحزن والغضب فإن صوت العقل يجب أن يسمع. الأفعال لا الأقوال "جورج أوزبورن قادر على إسعادنا جميعاً"... هكذا عنونت "الديلي تلغراف" افتتاحيتها الاثنين الماضي التي بدأتها بالإشارة إلى تصريح رئيس الوزراء ديفيد كاميرون، الذي قال فيه إنه يعتقد أن ثقة الشعب البريطاني في هذا البلد" قد اهتزت في الصميم"، بسبب الطريقة التي تصرف بها الأغنياء والقادرون في المجتمع البريطاني تجاه الانهيار المالي، وفضيحة نفقات أعضاء البرلمان، وفضيحة التنصت الأخيرة على الهواتف، والتي تبين بما لا يدع مجالاً للشك أن هذه الفئة من البريطانيين يهتمون بأنفسهم وشؤونهم في المقام الأول وليس بمصلحة المجتمع ككل، وأنه لو أضيف لذلك الصعود الاقتصادي المذهل لكل من الصين والهند وغيرها من القوى الاقتصادية الصاعدة، فإن ذلك لا بد أن يؤدي كما قال "كاميرون" في نفس التصريح أيضاً إلى سيادة شعور" بأن أفضل أيامنا كدولة قد صارت وراءنا"، أي صارت جزءاً من الماضي. تمضي الصحيفة للقول إن هذا الشعور بانقضاء أيام الرخاء والعز وهذا الشعور بفقدان الزخم الاقتصاد، هو الذي ساهم بأكبر قدر في اهتزاز ثقة الشعب بالبلد وبأي شيء آخر في الحقيقة، ولكنها ترى مع ذلك بصيصاً من الأمل في التصريح، الذي أدلى به وزير الخزانة "جون أوزبورن" نهاية الأسبوع الماضي، والذي قال فيه عندما تواجه أمة ما عدداً من الخيارات الاقتصادية أمامها في ساعات الأزمة، فإن الاختيار الأفضل في رأيي أو ما يجب أن يقوم به البريطانيون"، هو أن يختاروا خيار النمو الاقتصادي دائماً،" تقول الصحيفة إنها تتفق تماماً مع وزير الخزانة، ومع ما قاله، ولكن الشيء المهم في رأيها هو وضع هذا الكلام موضع التنفيذ ثم تنفيذه على النحو الصحيح حتى يَضمن نجاحه، وأن وزير الخزانة هو الوحيد القادر على ذلك وعلى إسعاد الشعب البريطاني، وخصوصاً إذا ما وضع موضوع التنفيذ أيضاً بالإضافة إلى خيار النمو ما وصفه في تصريح له مؤخراً بـ"القيام بحملة صارمة على القواعد الاقتصادية البالية التي تركز على التوافه وتترك الجوهر، والتي تشكل عائقاً رئيسياً للأعمال وتثير غضب أصحابها ولا تشجع على الاستثمارات الجديدة. ترى الصحيفة أن مبادرات مثل هذه الذي يتقدم بها وزير الخزانة هي فقط القادرة على إسعاد البريطانيين، الذين أصابهم الاكتئاب بشرط أن يتم تطبيقها وعدم الاكتفاء بالأقوال وتجنب الأفعال. حقائق أم مبالغات؟ "اليمين البريطاني ليس سوى مجموعة من الغوغاء" كان هذا هو عنوان مقال "أندرو جيليجان" لمقالته المنشورة في "الديلي تلغراف" الاثنين الماضي يشير الكاتب إلى السجال الذي دار في بريطانيا بعد مذبحة النرويج حيث سارع البريطانيون المسلمون والمتعاطفون معهم إلى أبداء فرحة بأن ذلك العمل الشنيع، لم يكن من صنع "القاعدة" ولا غيرها من المنظمات الإرهابية، وأن الذي قام به رجل أبيض ويورد أمثلة من تلك الآراء التي انتشرت بسرعة البرق، فيشير إلى التصريح الذي أدلى به "وبرت لامبرت"، المدير المساعد لمركز الأبحاث الأوروبية الإسلامية بجامعة "دكستر"، والذي قال فيه" إن الأوروبيين القوميين من "اليمين المتطرف" يشكلون تهديداً على أوروبا أكبر من ذلك التهديد الذي تمثله "القاعدة". وأن التهديد الإسلامي يجري عادة تضخيمه من قبل الساسة وأجهزة الإعلام الأوروبية، كما يشير إلى التصريح الذي أدلى به" إبراهيم هيويت" مدير مؤسسة "إنتربال" الإسلامية الخيرية الذي كتب يقول" إن أحزاب اليمن الجديد تشهد صعوداً متزايداً في الغرب وأن ذلك يحدث بتواطؤ من الحكومات الغربية"، يبدي الكاتب اختلافه مع تلك الأقوال، ويقول إنه وإنْ كان القتل مدفوعاً بعوامل من بينها كراهية الإسلام كما قال القاتل في التحقيقات، إلا أن كراهية الإسلام لم تكن هي دافعه الوحيد، ولا هي دافعه الأقوى، وأنه لو كان الأمر كذلك لأخذ بندقيته الهجومية المتطورة، التي استخدمها في القتل واتجه بها إلى أحد المساجد الموجودة في "أوسلو" في يوم جمعة مثلاً ليقتل أكبر عدد ممكن من المسلمين. يقول الكاتب كذلك إنه وإن كان لا يختلف مع الآراء التي تقول إن هناك مشاعر كراهية للمسلمين في بريطانيا، إلا أنه يرى مع ذلك إلى أن هذه المشاعر ليست في تصاعد مستمر كما يذهب إلى ذلك بعد الغلاة من المسلمين، وإنما هي تشهد تقلصاً مستمراً وأن "اليمين" البريطاني ليس في صعود وإنما هو عبارة عن شراذم متفرقة أن "اليمين" البريطاني يشهد حالة متزايدة من الضعف وأنه كان هناك حزب يميني واحد يحظى ببعض المصداقية يتبنى آراء مثل هذا وهو" الحزب القومي البريطاني"، والذي كان يأمل في الحصول على بعض المقاعد في المجلسين الرئيسيين في بريطانيا، ولكنه خسر جميع مقاعده الآن، ويمكن القول إنه قد سقط وأن التيار "اليميني" المناوئ للإسلام في بريطانيا قد انكمش إلى حد كبير، ولا يزيد في الوقت الراهن عما يقوم به الغوغاء في بعض الأحيان من أعمال أوتوجيه أقوال، يشتم منها رائحة المناوئة للوجود الإسلامي في بريطانيا. إعداد:سعيد كامل