التوتر أنواع، ومن أنواعه التوتر المزمن الذي يشكل نوعاً من الاستجابة الفسيولوجية للضغوط النفسية التي يتعرض لها الإنسان لفترة طويلة من الزمن. وفي الوقت الذي تكون فيه أسباب التوتر غالباً نفسية المنشأ، نجد أن ميكانيزماته وديناميكياته تحمل أيضاً في طياتها عوامل وعمليات بيولوجية معقدة ومتعددة. وربما يكون أهم هذه العوامل استجابة خاصة من الغدد الصماء، في شكل إفراز لهرمونات الأدرينالين والكورتيزول، وهي العملية التي إذا ما استمرت لفترة طويلة، فقد تؤدي إلى أضرار فادحة في الصحة البدنية والصحة العقلية، إلى درجة قد تؤدي مثلًا إلى تغييرات تركيبية دائمة في المخ. وهو ما يعني أن التوتر المزمن حالة طبية مرضية، لها تبعاتها الصحية، ومضاعفاتها الخطيرة، التي قد تتطلب التدخل الطبي من خلال الأساليب العلاجية المختلفة. وبوجه عام يتم تقسيم التوتر إلى نوعين؛ إيجابي وسلبي، وكلاهما يمكن أن ينتج إما عن ظروف وأحداث سلبية أو إيجابية. ويتم تقسيم الأحداث على أنها سلبية أو إيجابية تبعاً للشخص وحسب الظروف والمعطيات. فما قد يكون حدثاً سلبيّاً وبالتالي ينتج عنه نوع من التوتر السلبي لشخص ما، يمكن أن يكون لشخص آخر حدثاً إيجابيّاً وينتج عنه نوع من التوتر الإيجابي. والغريب أنه لا يمكن للتوتر الإيجابي أن يلغي التوتر السلبي، أو العكس. فالشخص الذي يفوز في جائزة كبرى يوماً ما، ويصله في الوقت نفسه خبر وفاة عزيز، لا يتمتع بحالة من الهدوء والسكينة، بل سيتعرض إلى جرعة مضاعفة من التوتر الإيجابي والسلبي معاً. ما يعني أن الصفاء أو السكينة النفسية هو بالتحديد الحالة التي يكون فيها الشخص حرّاً من التوتر بنوعيه، السلبي والإيجابي. وعلى رغم أن العلاقة بين التوتر المزمن وبين الحالة الصحية الجسدية والنفسية معروفة ومثبتة منذ زمن، إلا أن الدراسات الحديثة تثبت الواحدة تلو الأخرى مدى اتساع نطاق هذه العلاقة، وتعدد مظاهرها بشكل كبير. فعلى سبيل المثال أظهرت دراسة صدرت عن جامعة أوكسفورد البريطانية، بالتعاون مع المعهد القومي لصحة الطفل والنمو البشري بالولايات المتحدة، ونشرت نتائجها في إحدى الدوريات العلمية المتخصصة في العقم والإنجاب، أن ارتفاع درجة التوتر في حياة المرأة، يؤخر من حدوث الحمل، ويقلل من فرصه. فمن خلال متابعة 274 امرأة يرغبن في الحمل، وتتراوح أعمارهن بين الثامنة عشرة والأربعين، اكتشف العلماء أن ارتفاع مستوى هرمون الأدرينالين المرتبط بالتوتر الحاد، يخفض من فرص حدوث الحمل بنسبة 12 في المئة، وإن كان ارتفاع مستوى الكورتيزول المرتبط بالتوتر المزمن لم يكن ذا تأثير يذكر. وتتعدد الدراسات الأخرى التي تظهر التأثير السلبي للتوتر على أجهزة الجسم المختلفة، وخصوصاً جهاز المناعة، والجهاز الدوري المتضمن للقلب والشرايين. ويمتد نطاق التأثيرات الصحية للتوتر، وخصوصاً المزمن منه، ليشمل أيضاً المحيطين بالشخص الذي يعاني من التوتر، حيث أصبحت تتواتر مؤخراً الدراسات التي تظهر أن توتر الشخص، يعتبر عاملاً في احتمالات الإصابة بالأمراض للمحيطين به، خصوصاً الأطفال. وإحدى هذه الدراسات استغرقت ثلاث سنوات، وأجريت على 2497 طفلاً في سنوات الدراسة الابتدائية، يتمتعون بصحة جيدة، ويقيمون في جنوب ولاية كاليفورنيا، أُصيب 120 منهم بالأزمة الشعبية، أو الربو. وبتحليل الظروف الصحية والبيئية لهؤلاء الأطفال مثل مدى تعرضهم للملوثات الناتجة عن عوادم السيارات، وتدخين الأم، ومستوى تعليم الأبوين، ودخل الأسرة، ودرجة التوتر التي يعاني منها الآباء، كانت المفاجأة اكتشاف القائمين على الدراسة أن درجة توتر الآباء، تلعب دوراً أكبر مما كان معتقداً سابقاً في احتمالات إصابة الأبناء بالأزمة الشعبية، مقارنة بأقرانهم الذين يقطنون الحي نفسه. وأمام هذا الوضع أصبحت تقنيات إدارة التوتر، بما تتضمنه من التحكم في مقداره وحجمه، وتوجيه طاقته في اتجاه إيجابي، أحد إجراءات الوقاية الصحية ضد طائفة الأمراض التي تنتج عن التوتر، أو التي يلعب التوتر دوراً في زيادة وطأتها على المصابين بها. وإن كان العديد من تقنيات إدارة وخفض التوتر للأسف لا زال لا يحظى بالتقدير الكافي من قبل العامة، أو حتى أفراد المجتمع الطبي أحياناً، بل كثيراً ما تلاقى بالاستخفاف، أو بالاستهزاء. وإن كانت النقطة الأهم في التعامل مع إجراءات وسبل إدارة وخفض التوتر هي ضرورة إدراك خصوصيتها أو فرديتها، بمعنى اختلاف السبل الفعالة في خفض وإدارة التوتر بين شخص وآخر، فما ينجح مع البعض قد لا ينجح مع آخرين. ولذا يجب على الفرد نفسه، تحديد أي من التوصيات المتبعة في خفض وإدارة التوتر يناسبه ويلائمه، ويؤدي إلى نتيجة فعالة في خفض توتره. وربما كانت هذه النتيجة منطقية في ظل حقيقة كون مسببات التوتر ذاتها تتمتع بخصوصية وفردية بين الأشخاص المختلفين، فما يسبب التوتر السلبي لشخص ما، قد يولد نوعاً من التوتر الإيجابي لدى شخص آخر. وبناءً على ما سبق، لا ينبغي التعامل مع التوتر، وخصوصاً المزمن منه، بأي درجة من الاستخفاف أو الاستهزاء، وهو ما يمتد بالتبعية إلى الإجراءات الهادفة لخفض حجمه، والتحكم في آثاره على الصحة البدنية والنفسية.