تدرك دول مجلس التعاون الخليجي أكثر من غيرها أهمية البنية الأساسية للنمو الاقتصادي، وذلك بحكم تجربتها الغنية في هذا المجال، حيث تمكنت دول المجلس الست خلال العقود القليلة الماضية من إقامة بنية أساسية متطورة قلما نجد لها مثيلاً في البلدان النامية الأخرى. وبجانب ذلك ساهمت دول المجلس من خلال المساعدات الإنمائية في إقامة مئات المشاريع المماثلة في البلدان النامية الأخرى. وضمن هذا الاهتمام المتزايد أعلنت الكويت عن تخصيص استثمارات مهمة لإقامة ميناء مبارك الكبير في جزيرة بوبيان على مقربة من الحدود العراقية، مما أثار حفيظة العراق الذي سبق وأن أعلن في عام 2005 عن نيته لإقامة ميناء مماثل في منطقة الفاو التي تبعد عن الميناء الجديد مسافة عشرين كيلومتراً فقط. ويبدو أن هذا النزاع الجديد بين الجارين الخليجيين يحمل في طياته خلفيات سياسية واقتصادية وتاريخية حدودية عديدة، إلا أن إقامة ميناء في هذه المنطقة وبهذا الحجم يمثل أهمية اقتصادية كبيرة للبلدين، مما يدعو إلى التعاون والتنسيق للاستفادة من العوائد التجارية والمنفعة الاقتصادية التي ستترتب على وجود هذا الميناء. وفي هذا الصدد يمكن أن نتذكر الاتفاق الموقع بين البلدين في عام 1978، والقاضي بإقامة ميناء إقليمي متكامل يربط دول المنطقة بسكة للطرق الحديدية الأوروبية مروراً بسوريا وتركيا، إلا أن هذا المشروع لم يرَ النور بسبب الحرب العراقية، الإيرانية، ومن ثم غزو الكويت. وبالعودة إلى التوتر الحالي، فإن مثل هذا الاتفاق يمكن أن يشكل مخرجاً لإقامة مشروع اقتصادي ثنائي ضخم وفقاً لدراسات فنية وجدوى اقتصادية ليست لها علاقة بالتجاذبات السياسية القائمة حاليّاً، وخصوصاً في العراق الذي تتنازعه قوى وأحزاب ومليشيات لا تلتزم بقرارات الحكومة المركزية وتطلق التهديدات والاتهامات جزافاً، وفي كل الاتجاهات. ووفقاً للبيانات المعلنة، فإن ميناء الفاو العراقي الذي تم وضع حجر الأساس له العام الماضي ولم يبدأ العمل به حتى الآن سيكلف 6 مليارات دولار من الصعب توفير استثماراتها في ظل الأوضاع الحالية في العراق، أما ميناء مبارك الكبير الكويتي، فإن مراحله الأولى ستكلف ملياري دولار، حيث يبدو أنه يتمتع بقدرات تنافسية كبيرة لأسباب فنية وإدارية عديدة، مما أثر على الجدوى الاقتصادية للمشروع العراقي. ولا نريد هنا أن نلتفت كثيراً لما تقوله بعض القوى السياسية العراقية من أن "الكويت تستهدف استهلاك العراق شعباً وأرضاً"، وهو كلام كرره سابقاً صدام حسين وقاده إلى النهاية التي يعرفها الجميع، فالكويت دولة مسالمة لم تعتد على أحد من قبل، بل إنها في مقدمة البلدان التي قدمت مساعدات تنموية كبيرة للبلدان العربية. وبما أن المشروع الكويتي سيديره القطاع الخاص، على عكس المشروع العراقي، فإنه يمكن إقامة شركة مساهمة عامة بالتساوي بين البلدين وطرح جزء من أسهمها للاكتتاب العام في كل من العراق والكويت وتكليف شركة أجنبية متخصصة ومحايدة بتحديد موقع الميناء انطلاقاً من اعتبارات فنية واقتصادية مهنية وبما يحقق أعلى عائد اقتصادي للبلدين مع احترام الحدود القائمة ومصالح البلدين. أما إدارة المشروع المشترك الجديد، فإنه لا يوجد أفضل من مؤسسة موانئ دبي العالمية لإدارة هذا المشروع، إذ إنها تملك خبرة عالمية من خلال إدارتها لعشرات المشاريع حول العالم، بما في ذلك أوروبا وآسيا وأميركا اللاتينية، كما أنها احتلت مؤخراً المركز الثالث، كأكبر ثلاثة مستثمري موانئ في العالم. وربما يكون هذا هو المخرج المهني الصحيح للخروج من حالة الاحتقان التي لا يمكن التكهن بعواقبها، حيث يمكن لجامعة الدول العربية المبادرة إلى إيجاد مثل هذا الحل، الذي سيشكل نقلة نوعية في التعاون الإقليمي العربي.