التطرف حالة معقدة تصيب الفرد والجماعات فتشكل لها مواقف عقائدية وسياسية غير إنسانية وتضعها في حالة نفسية غير طبيعية لا تستقيم مع فطرة الإنسان كما خلقه الله سبحانه وتعالى فترى الفرد أو الجماعة يتسمان بحدة الطبع وتقلب واضطراب المزاج مما يؤدي إلى مواقف تتسم بالحدية في معظم الأمور وحتى البسيط منها، بل إن المتطرف لا يرى أن لغيره حقاً في أن يكون له رأي أو موقف يخالف رأيه ومواقفه وهذه الحالة موجودة في كل المجتمعات وليس لها علاقة بدين محدد أو عصر معين بل إن الأديان السماوية حاربت التطرف وحذرت منه وأكدت على الوسطية والاعتدال في الأمور كلها، لكن العديد من الذين يستهويهم التطرف ويناسب طبائعهم الحادة تراهم يستخدمون جوانب من الدين لتبرير مواقفهم وفرض آرائهم على الآخرين وقد يصل الأمر بالعديد منهم إلى قتل الأبرياء من النساء والأطفال لا لأنهم خالفوهم، ولكنهم يفعلون ذلك لكي يسمع العالم صوتهم ويعترف بوجودهم. وفي هذا الشهر نجد نموذجين للتطرف وأفعاله البربرية التي تحرم الإنسان من حق الحياة وتثير حالة من الغضب والاشمئزاز لدى كل من لديه حس إنساني، الأول ما يحدث في الصومال من مجاعة أدت إلى موت الألوف ونزوح مئات الألوف وتهديد صحة وحياة الملايين من الصوماليين كما هو واضح وجلي من تقارير الفضائيات حول الأوضاع هناك والتي لا تخطئها العين من مشاهد مؤلمة ومزعجة تثير لدى كل من لديه حس مشاعر الرحمة والشفقة على هؤلاء البشر... ومع هذا تخرج علينا حركة "شباب المجاهدين" نافية وجود مجاعة ومكذبة ما تشاهده عين كل بصير بل وتعيد توصيف الأزمة بأن هناك جفافاً وليس مجاعة والناس يموتون يومياً في الأماكن التي يسيطرون عليها. وهنا يحضرني موقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما أوقف تطبيق حد السرقة عند حدوث المجاعة لأن ضرورة الحياة قد تدفع الإنسان للسرقة فمنع العقوبة للمحافظة على الحياة. لكن لأن التطرف يعمي ويصم فلم تر حركة الشباب موت الناس ولم تسمع أنّات الجوعى بل رأت في حماية وجودها السياسي والمحافظة على سلطتها أولوية على حياة الصوماليين فمنعت الإغاثة أو قيدتها بشروط لا يمكن معها إنقاذ حياة الملايين. أما نموذج التطرف الثاني فهو من الغرب بل حدث في بلد يحتل الترتيب الأول في التنمية والرفاهية على مستوى العالم، ألا وهو النرويج، وهي الحادثة التي أدت إلى مقتل ما يقارب تسعين من النرويجيين على يد التطرف اليميني الحاقد على كل شيء في هذا العالم عدا أنصاره، فحول وسط أوسلوا إلى ساحة حرب، وقد فعل ذلك لكي يسمع النرويجيين خاصة والأوروبيين عامة رأي الجماعات اليمينية. إن خطر التطرف بكل أنوعه وأطيافه يعد خطراً على الإنسانية جمعاء، وهو يهدد التعايش السلمي بين الشعوب ويهدد الإنجاز الحضاري للإنسانية بأسرها.