ما حدث في النرويج يوم الجمعة الماضي هز العالم بأسره لأنه أصاب بلدا كان ينظر إليه دائماً على أنه بلد يعيش أهله في سلام، لكن النرويج، بل أوروبا بأكملها، استيقظت يوم الجمعة كما تستيقظ في أي يوم عادي، ولم تنم كما كانت تنام كل ليلة فقد نامت على حقيقة مرة وهي أن أحد أبنائها قام بعمل إرهابي ليحصد أرواح أبناء وطنه الأبرياء، لذا فسيكون يوم 22 يوليو 2011 منعطفاً مهماً في الحياة السياسية في أوروبا. بدأت القصة نهاراً باعتداء بسيارة مفخخة انفجرت في قلب حي الوزارات في العاصمة أوسلو مما أوقع ثمانية قتلى وتسعة أصيبوا بجروح خطرة. وبعد ذلك بقليل اتجه منفذ العملية إلى مخيم صيفي لشبيبة الحزب العمالي في جزيرة أوتويا على بعد حوالي أربعين كيلومتراً إلى غرب العاصمة ودخل إلى المخيم زاعماً أنه يريد التأكد من سلامة التجمع بعد انفجار أوسلو. ثم شرع في إطلاق النار على المشاركين. وكان يرتدي بذلة تحمل إشارة الشرطة ويحمل سلاحين ناريين، وبعد مجزرة راح ضحيتها 68 شاباً وشابة واستمرت قرابة الساعة وثلاثين دقيقة استسلم المعتدي للشرطة بدون أي مقاومة. ومن الواضح أن العمليتين استهدفتا الحكومة العمالية، فالهجوم الأول استهدف رئيس الحكومة العمالية ينس ستولتنبيرغ، والثاني استهدف تجمعاً لشبيبة الحزب العمالي الحاكم. أقر النرويجي اندرس بيرينغ بريفيك (32 عاماً) أمام المحكمة بالتهم المنسوبة إليه. وقال "إن ما قام به وحشي ولكن كان عليه القيام به... وكان ضرورياً". وبرر فعلته بـ"استخدام الإرهاب وسيلة لإيقاظ الجماهير". وأكد أنه يتوقع أن ينظر إليه على أنه "أكبر وحش منذ الحرب العالمية الثانية". وأكد خلال الاستجواب أن لا أحد ساعده فيما قام به وأنه كان وحيداً. كما قال إنه يريد بفعلته هذه "حماية أوروبا من الإسلام". وفي شريط فيديو نشر يوم الهجومين على موقع يوتيوب نسبته وسائل إعلام نرويجية إلى بريفيك، شن الأخير هجوماً على الإسلام. وكان أيضاً قد كتب: "قبل البدء بحملتنا الصليبية علينا القيام بواجبنا بالقضاء على الماركسية الثقافية". وهذا العمل الإرهابي قام به شخص مختلف عمن سبقه من الإرهابيين في العالم شكلا ومضمونا، فبريفيك شاب صاحب شعر أشقر متوسط الطول وعينين زرقاوين يصف نفسه بـ"المسيحي" و"المحافظ"، وهو أعزب ويهتم بالصيد وبألعاب إلكترونية مثل "وورلد أوف واركرافت" و"مودرن وارفير 2". وهو نرويجي الجنسية و"الأصل"، "أصولي مسيحي"، آراؤه السياسية تميل إلى اليمين المتطرف، وهي آراء ليست غريبة في النرويج بل رائجة. ويسكن في حي راق في أوسلو. فهو إذن يختلف تماماً عن الإرهابيين التقليديين الذين غالبا ما تتكلم عنهم وسائل الإعلام الغربية والتي كان موقفها مؤسفاً في هذا الحدث، عندما استعجلت بإلصاق التهمة بالمسلمين. بعد هذه الحادثة قد يكون من المفيد القيام بقراءة معاكسة للإرهاب، فبعد أن كان الغرب يعتبر نفسه مجرد مستورد لـ"إرهاب الجماعات الإسلامية"، أصبح اليوم ممارساً لهذا الإرهاب، وأصبحت أحزاب اليمين المتطرف في الغرب تزداد عنفاً، ورسالة مرتكب المجزرة التي راح ضحيتها حسب آخر إحصاء رسمي 76 قتيلاً و 35 مصاباً واضحة، والجريمة ارتكبت بدم بارد، ودون ندم على ما قام به بل اعتقاد الفاعل بأنه صنع خيراً لمستقبل بلده ومستقبل أوروبا والغرب المسيحي بأسره، لا يختلف كثيراً عن تفكير الجهاديين من المسلمين، فهذا يرى أن هذه العملية كانت مهمة من أجل حماية الغرب من المهاجرين المسلمين، وأولئك يرون أن ما يقومون به مهم من أجل حماية الشرق من المسيحيين. موقف اليمين من المسلمين ومن المهاجرين بشكل عام ليس جديداً ولا مستغرباً فهو موقف معروف وكان دائماً مثار جدل بين الأحزاب المختلفة ومسألة الهجرة والمهاجرين واحدة من أهم الأدوات في الانتخابات في تلك الدول، لكن الجديد في هذه العملية أنها تنقل مشكلة الهجرة والعداء للآخر إلى مرحلة جديدة مختلفة تماماً عما كانت عليه سابقاً، بل وخطيرة على مستقبل السلم العالمي، فاستخدام العنف المطلق في مواجهة القضايا المحلية أو الخارجية ينبئ بتغير كبير في العقلية الغربية، وهو ما يجعلنا نتساءل: هل يمكن أن يصل هذا العنف إلى بلادنا؟ هل يمكن أن نشهد عمليات إرهابية كهذه في الشرق الأوسط أو في دول إسلامية؟! هذا سؤال افتراضي يراه البعض بعيداً إن لم يكن مستحيلاً. لكن الأحداث من حولنا تؤكد لنا أن لا شيء مستحيل، فبعد هذه المجزرة المروعة بكل المعايير، ستتخذ السلطات في جميع الدول الأوروبية احتياطياتها وستقوم بوضع الخطط والبرامج الأمنية لحماية مواطنيها، وتمنع الإرهابيين من القيام بعمليات مشابهة، وقد بدأت الخطوة الأولى في ذلك عندما شددت قوات الجيش والشرطة التدابير الأمنية حول المباني والمؤسسات بعد الاعتداء المزدوج، كما بدا التعاون المباشر بين بريطانيا والنرويج لتلافي أي عمل مشابه في بريطانيا، والأيام المقبلة حبلى بالقرارات والإجراءات. وهذا ما سيضطر من يريد القيام بعمل إرهابي للبحث عن مكان أسهل لعمليته، كما فعلت الجماعات الإرهابية من قبل. الدول العربية، وخصوصا التي تستقبل الأوروبيين بأعداد كبيرة، ولا تدقق في خلفياتهم السياسية والفكرية، يجب أن تأخذ حذرها وتدقق أكثر في من يأتي إليها، فقد فتح في الغرب باب "الأعمال الإرهابية" ولا أحد كان يتمنى ذلك، لكن ما أن يفتح هذا الباب يكون من الصعب إغلاقه، ويبدو أن اليمين المتطرف في أوروبا يحمل أجندة واضحة، لن يتردد كثيراً في تنفيذها، خصوصا إذا اعتبر أنه نجح في هذه العملية. ربما يعيد بعض المنصفين في الغرب التفكير في إصرارهم على إلصاق تهمة الإرهاب بالعرب والمسلمين، فالمسلمون الذين ينبذون الإرهاب قد يكونون أكثر من الغربيين، والإرهاب لا دين له، والإرهابيون أشخاص فقدوا القدرة على قبول الآخر أو استيعابه أو حتى التعايش معه، لذا فهم لا يجدون غير القتل أسلوباً للتخلص من ذلك الآخر الذي يرون فيه مصدراً للإزعاج، وهم في ذلك متشابهون سواء أكانوا سمراً أو شقراً.