الاحتجاجات تضغط على نتنياهو... وفرصة لإسرائيل في جنوب السودان مظاهرات عارمة في تل أبيب، وواقع العلاقات التركية- الإسرائيلية، وأصداء استقلال جنوب السودان، وتداعيات مجزرة النرويج...موضوعات تصدرت الصحافة الإسرائيلية هذا الأسبوع. احتجاجات في إسرائيل رحبت صحيفة "هآرتس" في افتتاحيتها ليوم الاثنين الماضي بالمظاهرات العارمة التي خرجت في شوارع تل أبيب خلال الأسبوع الماضي ووصلت ذروتها يوم السبت وما تخللها من اعتصام في إحدى الميادين الرئيسية وسط العاصمة الإسرائيلية، فبحسب الصحيفة تشكل الاحتجاجات ذات المطالب الاجتماعية، وخاصة فيما يتعلق بالسكن، فرصة للضغط على الحكومة "اليمينية" التي همشت الطبقة الوسطى طيلة الفترة السابقة. ولعل الارتباك الذي قابل به الساسة الإسرائيليون الاحتجاجات يدل على جدية مطالبها، فبين تنديد "اليمين بالمحتجين ووصمهم باليسار المتطرف المدافع عن "الإرهاب الفلسطيني" وبين التودد إليهم لاحقاً والسعي لاسترضائهم، يبدو أن حكومة نتنياهو في مأزق حقيقي وهي ترى حكماً شعبياً مباشراً على سياساتها، وفي رأي الصحيفة فأن ما يجري في إسرائيل من تململ شعبي يرجع بالأساس إلى سياسات حكومية أعطت الأولوية إلى فئات اجتماعية بعينها على حساب الطبقة الوسطى، علماً أن هذه الأخيرة تتحمل العبء الأكبر من الضرائب والمشاركة في الخدمة العسكرية، فيما آخرون، تقول الصحيفة، يستفيدون من امتيازات حكومية مثل السكن والإعفاء الضريبي وغيرها، وخلافاً لما روج له البعض من أن الشباب المتظاهر هم مجموعة من المدللين الذين يرفضون السكن بعيداً عن تل أبيب ترى الصحيفة أن المطالب لا تقتصر فقط على الجانب الاجتماعي، بل تعكس استياء عاماً بين الطبقة الوسطى التي لم تستفد من الإنجازات الاقتصادية، فرغم أن نتنياهو وفريقه لا يفوتون فرصة للتباهي بعدم تضرر إسرائيل من الأزمة الاقتصادية العالمية وخروجها بأقل الخسائر فيما تعاني باقي الدول من أزمة خانقة، ظلت الطبقات المهنية مستثناة من مكاسب النمو الاقتصادي، بل رأت الثروة تتكدس في أيدي بعض الشرائح المحظوظة دون سواها، وهو ما يفسر هذا الزخم الشعبي الذي يترجم رغبة الشعب في تصويب سياسات أهملت رفاهيته لمدة طويلة. العلاقات الإسرائيلية- التركية على خلفية التقرير الأممي المنتظر صدوره قريباً حول ملابسات سفينة "مرمرة" التركية، خصص الكاتب والمعلق الإسرائيلي "زفي بارئيل" مقاله يوم الأحد الماضي لدعوة الطرفين إلى تجاوز الأزمة في العلاقات الثنائية وعدم التعويل كثيراً على ما ستخرج به اللجنة، لأن تقريرها النهائي سيكون مفصلًا على مقاس الطرفين معاً ليستمر التوتر. والحال أن المطلوب هو التوصل إلى تسوية، وفي هذا الإطار يقيم الكاتب المطالب التركية القائمة على ثلاثة مرتكزات، أولاً اعتذار إسرائيل لتركيا، ثم تعويض عائلات الضحايا وأخيراً رفع الحصار المفروض على قطاع غزة، وسواء كانت اللجنة الأممية موجودة، أو لم تكن، ستبقى المطالب التركية التي يتعين التعامل معها، ولحد الآن أبدت إسرائيل استعدادها لتعويض العائلات المتضررة فيما رفضت الاعتذار أو رفع الحصار، لا سيما وأن إسرائيل تجادل بأنها خففت الكثير من القيود على سكان غزة، وأن فتح معبر رفح الحدودي مع مصر يُفرغ الحصار من أي معنى، لكن الكاتب يتساءل عن الحصار البحري الخانق على القطاع وعدم السماح لسكانه بالسفر إلى الضفة الغربية، إلا أنه من جانب آخر يشكك أيضاً في النوايا التركية ورغبتها في استغلال الورقة الفلسطينية ليس أكثر. فإذا كانت أنقرة مصرة فعلًا على رفع الحصار، لماذا تربط ذلك بحادث السفينة "مرمرة"؟ ولماذا لم تطالب به قبل ذلك، علماً أن الحصار مفروض منذ عام 2007؟ وإذا كانت تركيا قد نفت أي علاقة رسمية لها بالسفينة عند انطلاقها في 2010 لماذا تصر اليوم على استغلالها دبلوماسياً؟ ليخلص الكاتب في النهاية إلى أن المتضرر من التوتر بين السياسيين في البلدين هما الشعبان اللذان تُضحى بمصالحهما المشتركة خدمة للمسؤولين الطامحين إلى تلميع صورتهم وتعزيز نفوذهم. جنوب السودان تحت عنوان "جنوب السودان وفرصة إسرائيل"، استهل المعلق الإسرائيلي "إيدان فيشمان" مقاله في "جيروزاليم بوست" السبت الماضي، وفيه يدعو إسرائيل إلى استغلال فرصة استقلال جنوب السودان بعد سنوات طويلة من الحرب الأهلية والصراع مع الشمال لتقديم كل ما تحتاجه الدولة الوليدة من مساعدات سواء تعلق الأمر بالدعم العسكري من خلال تدريب قوات الجنوب، أو فيما يتعلق بالاقتصاد والمشاركة في إعمار البلد الذي يعتبر الأفقر بين الدول الأفريقية. وفي هذا الإطار أيضاً يركز الكاتب على اللاجئين من جنوب السودان داخل إسرائيل الذين يتعين بحسب رأيه تأهيلهم في الجامعات الإسرائيلية قبل العودة إلى بلدهم للمشاركة في إعادة بنائه، وبخاصة في مجال الطاقة والتخصصات العلمية الدقيقة، دون أن ينسى الكاتب الدعوة إلى تكريس الديمقراطية في البلد الجديد من خلال نقل، كما يقول، التجربة الإسرائيلية والمساعدة في إنشاء مؤسسات قوية تقطع مع الاستبداد والاستئثار بالسلطة. لكن مقابل كل ذلك لا يخفي الكاتب ما تنتظره إسرائيل من الدولة الجديدة التي انضمت كعضو فاعل إلى الأمم المتحدة وأصبحت الدولة رقم 193. فالدولة العبرية تنتظر من جنوب السودان الوقوف ضد المساعي الفلسطينية لإعلان دولتهم وسحب البساط، حسب قوله من الأعضاء المؤيدين لقيام الدولة الفلسطينية، فالدولة التي تنتمي إلى العالم الثالث وتحديداً إلى أفريقيا سيكون لصوتها الرافض، أو الممتنع على الأقل، وقعاً على باقي الدول التي عادة ما تساند الفلسطينيين، وقد يدفع البعض إلى مراجعة مواقفهم. مجزرة النرويج كتب "مانفريد جيرشتنفيلد" مقالاً في "يديعوت أحرنوت" يوم الأحد الماضي يندد فيه بالمحزرة الرهيبة التي شهدتها العاصمة النرويجية، أوسلو، بعدما أقدم أحد المتعصبين على استهداف معسكر للشباب في جزيرة نرويجية، كاشفاً بذلك عن وجه التطرف القبيح، كما يقول الكاتب، الذي تمسح هذه المرة بالأصولية المسيحية المعادية للأجانب، وقد سارعت السفارة الإسرائيلية في العاصمة إلى تنكيس العلم تعاطفاً مع مأساة النروجيين، لكن وفيما عدا التعاطف وعبارات التعزية التي عبر عنها القادة السياسيون في إسرائيل يشير الكاتب إلى علاقة ما حدث بالدولة العبرية، فمعروف عن الصحف النرويجية انتقادها لإسرائيل وسياستها وهو موقف يتبناه أيضاً الحزب العمالي الحاكم، لكن ذلك لا يبرر ما اعتبره الكاتب تهاوناً أمنياً في حراسة الأماكن الحساسة وملاحقة العناصر المتطرفة التي تبث حقدها على شبكة الإنترنت كما تبين في حالة المتهم باقتراف المجزرة، فبذريعة حرية التعبير تسامح السلطات القضائية المتطرفين الذين لا يلجؤون إلى العنف وتغض النظر عن لغتهم المحرضة وأفكارهم المشجعة على الكراهية، فلو أن القانون النرويجي جرم المس بمعتقدات الغير، أو التحريض على الآخر لما كان المتهم قادراً على ارتكاب المجزرة، وفي هذا الإطار يسوق الكاتب مجموعة من الأمثلة عن حركات النازية الجديدة في النرويج التي سبقت أن شهرت باليهود والأجانب واعتبرتهم العدو الأول دون أن يعاقبهم أحد مادام القانون لا يجرم المس بالآخر باعتباره جزءاً أصيلا من حرية التعبير. والحال كما يرى الكاتب أن تلك الحرية عندما تتجاوز الحدود قد تسبب الكوارث، لا سيما في عصر الإنترنت الذي يسهل فيه نشر الأفكار العنصرية والتبشير بها. ورغم أن الحركات المتطرفة لم تبلغ درجة الانتشار الواسع في المجتمع الاسكندنافي المسالم، فإن ما حدث يحتم على الحكومات في المنطقة مراجعة قواعدها الأمنية وتقييم ترسانتها القانونية. إعداد: زهير الكساب