إذا استمع المرء إلى دردشات بعض المسؤولين الكبار، سيعتقد أن الحرب العالمية الثالثة باتت على وشك أن تندلع على شبكة الإنترنت. فهذا وزير الدفاع يحذر من هجوم إلكتروني مدمر شبيه بهجوم "بيرل هاربر" من حيث فجائيته وفداحة خسائره. هذا في حين يقول مدير الاستخبارات الوطنية السابق إن الولايات المتحدة "تخوض حرباً على الفضاء الإلكتروني، وقد بدأنا نخسرها". والواقع أن كل اختراق جديد يأتي بتصريح يفيد بقرب حدوث كارثة على الشبكة. غير أن الحديث التخويفي في غير محله؛ فصحيح أننا نواجه مشاكل كبيرة بخصوص أمن الفضاء الإلكتروني – وما على المرء إلى أن ينظر إلى عمليات الاختراق اللافتة التي تعرضت لها شركات كبرى مثل "سوني" و"لوكهيد" أو ملايين الأميركيين الذين سُرقت معلوماتهم الشخصية على شبكة الإنترنت. بيد أن هذه ليست مؤشرات على حدث كارثي وشيك، بل هي علامات على تيار متصاعد للجريمة الإلكترونية يمكن أن يكون أكثر خطورة من حرب إلكترونية في الحقيقة. فحسب الحكومة البريطانية، فإن اللصوص الإلكترونيين والمحتالين والجواسيس الصناعيين كلفوا الشركات البريطانية ما يقدر بـ43.5 مليار دولار خلال العام الماضي لوحده. واليوم، يمكن أن يستهدف المحتالون الذين يعرضون خدماتهم ألف جهاز حاسوب مقابل 7 دولارات . أجل، لقد أصبح الأمر بهذه السهولة! ذلك أن ستين ألفاً من أشكال البرامج الحاسوبية الخبيثة يتم رصدها كل يوم. ولاننس كارثة على شاكلة "برل هاربر"، فقد يكون في ذلك التشبيه بعض المبالغة؛ غير أننا إذا لم نتوخ الحذر والحيطة، فإن الإنترنت يمكن أن تصبح مثل منطقة "جنوب البرونكس" النيويوركية حوالي عام 1989 - مكان حيث يمتلك المجرمون نفوذاً كبيراً لدرجة أن الناس الشرفاء يجدون صعوبة في العيش أو العمل هناك. ولكن، هل يمكن أن تكون هناك حرب إلكترونية في المستقبل؟ ربما. ولكن الأكيد أن المحتالين يجنون مليارات الدولارات من الاقتصاد العالمي غير الشرعي في الوقت الراهن، وضع جعل حتى خبراء "البنتاجون" يشعرون بالقلق، إذ يشيرون ضمن استراتيجيتهم الجديدة الخاصة بالأمن الإلكتروني إلى أن "الأدوات والتقنيات التي طورها المجرمون الإلكترونيون بدأت تزداد تطوراً بوتيرة لا تصدق". وقد أصبح من السهل استعمال هذه الأدوات أيضاً، حيث تجعل أحدث "برمجيات الجريمة"سرقة كلمات السر سهلة سهولة إطلاق صفحات على شبكة الإنترنت. والجدير بالذكر في هذا الإطار أن عصابة، تم توقيفها مؤخراً، اعترفت بأنها استعملتها لجني 9.5 مليون دولار في غضون ثلاثة أشهر فقط. ولكن الأكثر تطوراً هم الجواسيس العاملون لحساب الشركات، الذين يحتالون على مدراء شركات ويجعلوهم يكشفون عن ملكية فكرية تقدر قيمتها بمليارات الدولارات؛ ويُعتقد أن العديد من هؤلاء المجرمين مدعومون من قبل بعض الدول في إطار حملة لتحويل اقتصادات العصر الصناعي إلى اقتصادات عصر المعلومات مع خبراتنا. ويصف عضو مجلس الشيوخ الأميركي شيلدون وابتهاوس (الديمقراطي عن ولاية رود آيلاند)، الذي كان يترأس لجنة سرية حول الموضوع، الأمر بأنه "أكبر عملية نقل للثروة من خلال السرقة والقرصنة في تاريخ البشرية". ولكن ثمة طرقاً للشروع في وقف هذه الموجة من الجرائم الإلكترونية، وفي مقدمتها استهداف العدد الصغير نسبياً من الشركات التي تدعم عالم الجريمة السري. فهناك أكثر من 5 آلاف شركة لتوفير خدمة الإنترنت عبر العالم؛ وحسب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فإن نصف حركة الرسائل الإلكترونية غير المرغوب فيها تأتي من 50 شركة لتوفير خدمة الإنترنت فقط. فهذه الشركات تسهل المشاريع الإجرامية، سواء عن علم أو عن غير علم. وخلافا للمجرمين - الذين يختبئون وراء عناوين بريد إلكتروني يمكن التخلص منها بعد الانتهاء من استعمالها واتصالات مشفرة - فليس لغزاً معرفة هوية تلك الشركات. وعلى سبيل المثال، فإن شركة البحوث المستقلة "هوست-إكسبلويت" تنشر قائمة لأسوء الشركات والشبكات المستضيفة؛ ويتضح بجلاء أن 20 من أصل الشركات الـ50 الأكثر استضافة للجريمة والاحتيال في العالم هي أميركية. ومع ذلك، فإن شركات توفير خدمة الإنترنت التي تنقل البيانات عبر العالم مازالت تتعامل مع هذه الشركات المحتالة، ولاسيما أنه لا يوجد حافز اقتصادي للقيام بخلاف ذلك. ثم إن الشركة المستضيفة التي تستجيب للمحتالين لديها أيضاً زبائن شرعيون، وكلاهما يدفع المال من أجل استعمال الإنترنت. وهنا حيث يمكن للحكومة الفيدرالية أن تقدم المساعدة، إذ تستطيع إدخال آليات جديدة لتحميل الشركات المستضيفة المسؤولية عن الأضرار التي يتسبب فيها زبائنها المحتالون. كما يمكن أن تشجع وتنظم الشركات التي تقدم خدمة الإنترنت على تقاسم مزيد من المعلومات حول التهديدات التي تجدها. وإضافة إلى ذلك، يمكن أن تطالب الحكومة المزيد من الشركات بالكشف عن كل شيء عندما تتعرض عملية احتيال أو اختراق. فاليوم، تقوم ثلاث شركات فقط من أصل عشر شملتها دراسة قامت بها شركة "ماكافي" لأمن الإنترنت بالتبليغ عن كل عمليات الاختراق التي تعرضت لها بياناتها. وهذا أمر لا يحجب الحجم الحقيقي للجريمة الإلكترونية فحسب، وإنما يحول أيضاً دون تحديد جرائم في وقت مبكر. ومما لا شك فيه أن اتخاذ هذه الخطوات سيمثل مؤشراً على أن أميركا لن تتسامح بعد اليوم مع اللصوص والمحتالين على شبكاتها. -------- نوا شاكتمان باحث أميركي مهتم بأمن الإنترنت، وزميل مؤسسة بروكينجز في واشنطن ------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس"