أصبح المتطرفون الإسلاميون والتنظيمات الإسلامية المتطرفة التي تحمل فكراً معاديّاً للغرب هم أول المتهمين عند وقوع أية أحداث إرهابية في العالم أو حوادث قتل المدنيين الأبرياء، وكأن التطرف والعدوان وسفك الدماء والقتل لتحقيق أغراض سياسية هي صفة ملازمة فقط للمتطرفين من أتباع الدين الإسلامي الذين حادوا عن تعاليم الدين القويم. بعد وقوع الحادثين الإرهابيين الأخيرين في النرويج الجمعة الماضية جراء تفجير مبنى حكومي وسط العاصمة أوسلو وإطلاق نار وحشي على مخيم شبابي في جزيرة، وأسفرا في المجمل عن سقوط 93 قتيلاً على الأقل، توجهت أصابع الاتهام مباشرة إلى تنظيمات إسلامية متطرفة وأفراد سمر البشرة من خلفيات شرق أوسطية، وسرعان ما نشر تنظيم مزعوم وغير معروف، باسم "مساندو الجهاد العالمي" بياناً على الإنترنت ادعى فيه مسؤوليته عن الحادثين، فما كان من بعض وسائل الإعلام الغربية التي تحمل مواقف مسبقة ضد الإسلام إلا أن اتخذت من هذه المزاعم ذريعة للنيل من الدين الإسلامي مجدداً، وتسارعت التصريحات في اتجاهات مختلفة مرجحة احتمال ضلوع القذافي الذي هدد أوروبا، أو "القاعدة"، وخلايا الإرهاب النائمة، وغيرها. وأخذت بعض البرامج التلفزيونية والصحف ومواقع الإنترنت اليمينية المعادية للإسلام تحذر من خطر تزايد المسلمين في أوروبا والدول الغربية وتدير تلك الأسطوانة التي يقتات عليها البعض في الغرب ودون أن ينتظروا نتائج التحقيقات وما ستكشف عنه السلطات الرسمية في البلاد بشأن المتورطين في الحادث. وكانت المفاجأة عندما كشفت السلطات النرويجية عن القبض على شاب نرويجي اسمه "أندرس بيهرينج بريفيك"، في العقد الثالث من العمر، ما يعني أنه "منهم وفيهم"، ولكنه من اليمينيين الذين يتبنون أفكاراً مسيحية أصولية، ويعادي الإسلام والمسلمين ويعتبر وجودهم في أوروبا خطراً تجب مواجهته. وتقول التقارير الإعلامية إن السلطات النرويجية لم تكن تعتبر الأصولية المسيحية في تقاريرها الاستخبارية السنوية خطراً يهدد البلاد، وإنما وضعت المتطرفين الإسلاميين على رأس قائمة التهديدات المحتملة! وخاب ظن وسائل الإعلام المتحيزة تلك عندما لم يكن منفذ العملية من أبناء المهاجرين المسلمين ذوي البشرة السمراء، أو من الإرهابيين العابرين للحدود الذين يريدون القضاء على ديمقراطية الغرب وقيمه النبيلة كما كانوا يتمنون. وفجأة انقلبت لغة الخطاب في وسائل الإعلام تلك رأساً على عقب، فبعد أن عنونت في "مانشيتاتها" الصحفية وعناوين نشراتها الإخبارية عبارات من قبيل "الإرهاب يضرب النرويج ويخلف عشرات القتلى" أصبحت عناوينها "القبض على نرويجي مشتبه بارتكابه الاعتداءات"! وكذلك الحادث لم يعد في بعض تسميات التداول الإعلامي "إرهاباً" وإنما "اعتداءات مروعة"، وكأن الشخص الذي ارتكب الحادثين ليس إرهابيّاً على رغم اعترافه بالجريمتين واعتباره أن ما حصل كان ضروريّاً، وإنما "مشتبه به" حتى تكتمل التحقيقات وتتضح الصورة بشكل نهائي! والحال أن هذا الحادث الإرهابي المروع ليس هو الأول الذي لم يكن مرتكبه "إرهابيّاً مسلماً"، ويؤكد أن الإرهاب لا دين له ولا وطن ولا ملة، وإنما هو وسيلة قبيحة قد يلجأ إليها أي شخص متطرف يرى العالم فقط من نظارته الظلامية، ويدين ويعادي من يختلف عنه إلى درجة استباحة دمه. لقد عملت بعض وسائل الإعلام الغربية قبل وبعد أحداث 11 سبتمبر 2011 في الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى على ترسيخ صورة نمطية خاطئة وسلبية عن الإسلام والمسلمين، وربط الإرهاب بالدين الإسلامي، واعتبار أن تعاليمه تحرض على العنف وعدم قبول الآخر والدعوة لإلغائه واستباحة دمه، فهل سيكون هذا الحادث الإرهابي المروع الذي أهرق دماء أبرياء لا ذنب لهم، وارتكبه إرهابي من بين ظهرانيهم، بداية للكف عن النيل من الإسلام وربط الإرهاب بهذا الدين السماوي السمح؟ نأمل ذلك، وإن كان من المؤسف أن الاستفادة من دروس هكذا تجارب تسبقها المأساة، حيث يكون قد دفع ثمنها أبرياء لا ذنب لهم سوى أنهم وقعوا ضحية لمن يرى أنهم لا يستحقون الحياة.