"ماراثون" قمم الإنقاذ الأوروبية... وتداعيات فضيحة "مردوخ" البريطانية قمة بروكسل الأخيرة لمواجهة الأزمة المالية، وتداعيات فضيحة مردوخ على الطبقة السياسية البريطانية، والهجمات القاتلة ضد العاصمة النرويجية، موضوعات ثلاثة استقطبت اهتمام الصحافة الفرنسية. أزمة منطقة "اليورو" في افتتاحية لصحيفة لوفيغارو تحت عنوان "اليورو: سقوط التابوهات" أكد الكاتب بيير روسلين أن حالة التفاؤل وانتعاش الآمال تسود الآن في منطقة "اليورو" بعد القمة الأوروبية الأخيرة التي قررت قبل ثلاثة أيام اتخاذ تدابير جدية لمواجهة أزمة الديون، من خلال ضخ تمويلات بالمليارات في الخزينة اليونانية، ووضع ترتيبات مشتركة أكثر فاعلية لمواجهة تداعيات العدوى في الدول الأخرى المضطربة ماليّاً، مثل إيرلندا والبرتغال وإسبانيا، وأخيراً إيطاليا. والحال أن حجم الخطر المالي المحدق، دفع هذا الأسبوع حتى أكثر القادة الأوروبيين تردداً، لأن يظهروا إرادة وحماساً حقيقيين، لإنقاذ "اليورو"، لأن بقاء العملة الأوروبية نفسها هو الذي أصبح موضوعاً على المحك. ولذا فإن خطة الإنقاذ التي أعلن عنها هذا الأسبوع في بروكسل تمثل حلقة حاسمة في مواجهة مسلسل التداعي المالي الأوروبي المستمر منذ عشرين شهراً متواصلة. ومن أجل تحصين العملة الأوروبية من السقوط أكثر تم أيضاً في هذه القمة عبور خط "تابو" آخر من خلال توسيع صلاحيات ووسائل تدخل الصندوق الأوروبي لدعم الاستقرار المالي، وخاصة أن المستشارة الألمانية كانت من أشد المعترضين على هذا التوسيع، ولكن حجم وزخم الكارثة المالية المحدقة بالاتحاد هما ما دفعها أخيراً لتغيير رأيها. وفي افتتاحية صحيفة ليبراسيون أول من أمس، الجمعة، استهل الكاتب "فرانسوا سيرجان" حديثه عن أزمة اليونان المالية، ومن ورائها أزمة منطقة "اليورو" كلها، باستدعاء قول مؤداه أن "اليونان ليست في حاجة إلى كُتاب، أو أشخاص ذوي نوايا حسنة، وإنما أصبحت بكل بساطة في حاجة إلى صانعي معجزات"، وعلى وقع هذه الحقيقة التأمت القمة الأوروبية هذا الأسبوع في بروكسل لاحتواء تداعيات ثمانية عشر شهراً أمضتها اليونان، ومعها منطقة "اليورو"، وهي ترقص على حواف بركان لا يبقي ولا يذر. وأما ما اتخذته القمة نفسها من تدابير فيمكن قراءته -يقول الكاتب- من وجهتي نظر مختلفتين. الأولى: يمكن اعتباره تقوية للمنظومة الفيدرالية الأوروبية الموحدة. والثانية: أن اتفاق بروكسل على ضخ أموال إضافية في طاحونة محرقة الأسواق المالية إنما يمثل نوعاً من اللعب في الوقت الضائع، وذلك لأن الشعوب عانت مريراً خلال الأشهر الماضية وهي تتفرج على التباطؤ الذي يلامس حدود التواطؤ في سياسات القادة الأوروبيين، الذين انتهى بهم الأمر إلى التوصل إلى هذا الاتفاق الآن، في حين لو كانوا ضخوا ذات الأموال في الأسواق قبل أشهر عديدة لكانت فرص احتواء أزمة "اليورو" أكبر، وأكثر يقيناً، بما لا يقاس إلى الوضع المتردي الآن. أما صحيفة لوموند فنشرت تحليلاً بعنوان "إنقاذ أوروبا بدلاً من اليورو" دعا كاتبه القادة الأوروبيين إلى تجاوز بعض الوثوقيات غير العملية من قبيل الاعتقاد الساذج بأن "اليورو" نفسه لا يتحمل جزءاً من المسؤولية عن الأزمة الراهنة، وكذلك الاعتقاد الثاني الشائع بأن مجرد اتباع سياسة أوروبية موحدة يكفي في حد ذاته للتغلب على الأزمة، والحال أن الخلود إلى هذا النوع من التصورات الوثوقية لن يحل المشكلة بل هو نوع من الهروب إلى الأمام. وأخيراً تساءل الكاتب "جايل دوسانتيس" في عنوان افتتاحية صحيفة لومانتيه: "كم أيضاً من قمم الأزمة؟"، منتقداً سياسات الترقيع الأوروبية، التي تراكمت بسببها قمم الأزمة، إلى حد أن هذه هي القمة رقم 23 التي يخف بسببها ساركوزي وميركل إلى بروكسل، منذ سنة 2007، وما زالت الكارثة مع ذلك محدقة، كما أن 15 مليون إنسان يدورون الآن في شوارع دول منطقة "اليورو" بحثاً عن عمل، ولكن دون جدوى. فضيحة "مردوخ" تحت عنوان "قضية مردوخ فخ لكاميرون" اعتبرت افتتاحية صحيفة لوفيغارو أن النخبة السياسية البريطانية تواجه اليوم أوقاتاً صعبة. فبعد مأزق المصرفيين الذين حُملوا النصيب الأكبر من المسؤولية عن نشوب الأزمة المالية، وبعد النواب البرلمانيين الذين انهالت عليهم الانتقادات بسبب المكافآت المبالغ فيها، ها هو الدور يأتي اليوم على وسائل الإعلام البريطانية وشرطة "سكوتلاند يارد"، التي ضربتها معاً زوبعة فضيحة التنصت. ويزداد المأزق صعوبة وتعقيداً إذا عرفنا أن كثيراً من أصابع الاتهام توجه الآن إلى الطبقة السياسية البريطانية بحزبيها "المحافظ" و"العمالي"، التي تجد نفسها في مهب العاصفة، متهمة بالتواطؤ وبالدخول في علاقات غير بعيدة عن الشبهات مع وسائل الإعلام. والأكثر خطورة من ذلك رد الفعل الباهت في البداية، والتردد في توجيه النقد طيلة الفترة السابقة المديدة للممارسات غير القانونية، وغير الأخلاقية، التي تورطت فيها صحافة "التابلويد" التابعة لإمبراطورية مردوخ. وليس سرّاً أن كل القادة العماليين والمحافظين، ابتداءً من بلير وصولاً إلى كاميرون، مروراً ببراون، أقاموا جميعاً علاقات وطيدة مع كبار مسؤولي مؤسسة "نيوز كورب" المملوكة لمردوخ، وذلك لمعرفتهم الضمنية بقوة وسطوة صحفها، وقدرتها اللامتناهية على صناعة رؤساء الوزراء. وعلى رغم المكانة المحورية المعروفة لوسائل الإعلام في الديمقراطيات عامة، بما فيها الديمقراطية البريطانية العريقة، إلا أن الحظوة والحضور القوي لصحافة "التابلويد" هناك، جعل الطبقة السياسية معرضة أكثر لضغوط جماعات الضغط الإعلامي، وخاصة فيما يتعلق بالجفوة والموقف السلبي عموماً تجاه المشروع الأوروبي، الذي يتبناه مردوخ، الرجل النافذ، نعم، والناجح، نعم، ولكن أيضاً الذي لم ينتخبه أحد، في يوم من الأيام، بصفة ديمقراطية لكي يمثله أو يقرر باسمه. وتمضي لوفيغارو في انتقاداتها للطبقة السياسية البريطانية، مشيرة إلى أن كاميرون لم يستخلص الدرس حتى الآن من خلال الابتعاد عن ممارسات أسلافه "العماليين"، ولذا فإن من المرجح أن يدفع الثمن غاليّاً، في وقت يحتاج فيه بلده للتركيز بشكل أكبر على الآليات الكفيلة بالخروج من تداعيات الأزمة المالية. أما صحيفة ليبراسيون فقد كالت النقد للأحزاب السياسية البريطانية، ولأجهزة الشرطة، وطبعاً لوسائل الإعلام، على خلفية فضيحة مردوخ. وقالت الصحيفة -اليسارية- إن الجميع خرجوا من هذه القضية برؤوس غير مرفوعة، فالطبقة السياسية تردت شعبيتها، والأحزاب أصبحت في حالة يرثى لها من وجهة نظر الرأي العام البريطاني، وما كان يسمى "السلطة الموازية" بما فيها وسائل الإعلام وجدت نفسها هي أيضاً في حال لا تحسد عليه. أما صحافة "التابلويد" التي كانت تقدم أحياناً نفسها بصفتها من يعطي الدروس الأخلاقية في الحياة العامة، فقد خرجت من هذه الفضيحة بسمعة متسخة بشكل لا يوصف. وبالنتيجة فإن الديمقراطية البريطانية العريقة هي من خرج من كل هذا بفائض خسائر، على كافة المستويات. هجمات النرويج ضمن تغطيتها للهجمات القاتلة التي تعرضت لها النرويج أول من أمس الجمعة، استعرضت صحيفة لوموند مختلف الاحتمالات والخيوط الممكن تتبعها لمعرفة الجهة التي تقف وراء هذه الهجمات الإجرامية ضد النرويج تلك المملكة الهادئة والمسالمة، التي يرتبط اسمها عادة في الأذهان باسم جائزة نوبل للسلام. وهنا أشارت الصحيفة إلى عدة سيناريوهات ممكنة يأتي على رأسها احتمال ضلوع اليمين المتطرف النرويجي، وخاصة أن الشاب المعتقل المشتبه في ضلوعه في العمليتين الصاخبتين توجد دواعٍ قوية للاعتقاد بأنه تصرف بإيحاء من توجهاته اليمينية المتطرفة. وكذلك هنالك خيط الجماعات الدينية المتطرفة، المسيحية أو الإسلامية، وخاصة أن هذه الأخيرة يحتمل أن تستهدف النرويج على خلفية التزامها ضمن الجهد الدولي في أفغانستان وليبيا، وكذلك بسبب قضية الملا "كريكار" رجل الدين الكردي العراقي المثير للجدل. أما صحيفة ليبراسيون فقد كتبت عن ذات الموضوع افتتاحية، يوم أمس، قالت فيها إن هجمات النرويج، تثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن أي مكان في العالم لم يعد في مأمن من خطر الإرهاب، مشيرة إلى احتمال تغير أنماط السلوك السياسي والأمني، من الآن فصاعداً، في تلك المملكة المسالمة الوديعة، وتختم الافتتاحية بالاستشهاد بعبارة قالها بهذه المناسبة كاتب نرويجي شهير: "إن النرويج قد فقدت مساء [الجمعة] براءتها". إعداد: حسن ولد المختار