تسود الساحة السياسة المصرية حالة من الغموض والضبابية، حيث اختلفت القوى السياسية حول قانون مجلس الشوري والشعب المنظم لسير العملية الانتخابية، والذي صادق عليه المجلس العسكري يوم الخميس الماضي، إذ رحبت به القوى الإسلامية (الإخوان المسلمون والسلفيون) ورفضته القوى المدنية وائتلاف شباب الثورة. فما هي الإشكالية التي تثار حول مشاركة "الإخوان" والقوى السلفية في المرحلة الديمقراطية القادمة؟ ولماذا هناك تخوف وتحذيرات من تنامي نفوذ الإسلاميين وتحركاتهم في اختطاف الثورة؟ هنالك مؤيدون لاشتراك التيارات الإسلامية بفعالية وإيجابية، لأن الديمقراطية الحقيقية تعني إشراك الجميع في العملية السياسية، ما داموا يؤمنون بالتعددية السياسية والتنظيمية ومفهوم تداول السلطة سلمياً. وهؤلاء المؤيدون يؤكدون أن "الإخوان" وغيرهم من القوى الإسلامية قد استوعبوا دروس الماضي، حيث حاولت النظم العسكرية الاستبدادية إقصاءهم وملاحقتهم، لذلك يتحدث "الإخوان" وغيرهم من الإسلاميين اليوم عن الدولة المدنية، وأهمية تداول السلطة سلمياً، وضرورة الاهتمام بالأقليات، والتركيز على مفهوم المواطنة. التيارات المدنية متخوفة من مشاركة الإسلاميين رغم إيمانها بأن مشاركتهم مهمة، ولا يمكن للديمقراطية أن تكتمل بدون مشاركة جميع القوى السياسية فيها. وينبع تخوف هذه القوى المدنية من حقيقة أن حركات الإسلام السياسي مؤدلجة ولديها رؤيتها الخاصة للحكم، فهي تسعى لقلب أنظمة الحكم القائمة أو إسقاطها لتحقيق هدف الانفراد بالسلطة وإقامة دولة دينية "ثيوقراطية"، فعندما يتحدث الإسلاميون عن الديمقراطية فإن حديثهم مشكوك فيه، لأنهم لا يؤمنون بالديمقراطية وتداول السلطة، والدليل على ذلك ما حدث في الجزائر في أوائل التسعينيات عندما كانت "جبهة الإنقاذ الإسلامية" على وشك الفوز والوصول إلى السلطة عن طريق الانتخاب، لكن بعد إعلان نتائج الشوط الأول من الانتخابات العامة، أدلى زعيمها عباس مدني بتصريحات تشكك بالديمقراطية، وقال إن هذه الانتخابات ستكون الأخيرة، مما أثار مخاوف الآخرين... وحصل ما حصل. وكلنا نتذكر كيف انقض الإسلاميون على الحكومة المنتخبة في السودان بانقلاب عسكري حيث صادروا حرية الأحزاب في العمل، وفرضوا الشريعة على غير المسلمين في الجنوب، مما أدى إلى استمرار الحرب الأهلية التي انتهت باستقلال جنوب السودان وتمزيق السودان نفسه. لتعزيز الديمقراطية في أي بلد من العالم، يجب أن يسود المجتمع حدٌ أدنى من التوافق والفكر المشترك، حيث تسود حالة المحبة والتسامح والاعتماد المشترك بين أفراده. والتساؤل الآن: هل تؤيد قوى الإسلام السياسي التنوع الفكري والديني؟ وهل تؤمن بالحقوق المتساوية بين الرجل والمرأة؟ من تجربتنا العملية في الكويت وبعض المجتمعات العربية التقليدية، نرى تصرفات قوى الإسلام السياسي معادية لروح الديمقراطية ونهجها، وهم معادون لحقوق المرأة السياسية ويحاولون بشتى الطرق عزل المرأة عن المجتمع، كما أنهم يعادون الأقليات الشيعية والمسيحية ويخنقون حرية الفرد لتحقيق مصلحة الجماعة. فالمعاداة للحرية الفردية تمنع الاختلاف وتقضي على إنسانية الإنسان. التراث الفكري لجماعة "الإخوان المسلمين" ينبع من الفكر التكفيري لسيد قطب وغيره من منظري الجماعة. هل يمكن لهذه الجماعات التخلي عن هويتها وأفكارها الإقصائية؟ نحن لا نؤيد المطالبات بإقصاء أو تجريم مثل هذه الحركات أو غيرها ممن يتبنى أطروحات دينية متعصبة. فالدعوة للتنوع الفكري والديني والعرقي لا تعني قبولنا للفرقة والتشرذم وتمزيق الوحدة الوطنية والانقسام... فالديمقراطية توحيد للشعوب وليست أساساً لتمزيقها.