"البقعة البيضاء الكبيرة" لكوكب زحل، وهي عاصفة تتكرر على ذلك الكوكب وتستأثر باهتمام العلماء منذ أن تمت ملاحظتها للمرة الأولى عام 1867. هذه البقعة عبارة عن سحابة عملاقة وعاصفة من غاز الأمونيا والماء تنبعث منها هزات من الرعد والبرق. وخلال الآونة الأخيرة، تمكن علماء الفلك من تحقيق اختراق مهم على صعيد فهم هذا الكوكب وفك ألغازه، حيث تمكنت مركبة الفضاء "كاسيني" التابعة لوكالة الفضاء والطيران الأميركية "ناسا"، والتي تدور حول كوكب زحل منذ 2004، من الحصول على أكثر صور وضوحاً من حيث التفاصيل حتى اليوم لهذه الظاهرة. العاصفة المضيئة، التي قد تمثل الآلية الرئيسية لتوزيع الحرارة في هذا الكوكب الغازي، تحدث نحو مرة واحدة كل عام زحلي، وهو ما يعادل نحو 30 عاماً أرضياً. غير أن العواصف، لا تتبع جدولاً زمنياً معيناً، ذلك أن أحدث جولة للعواصف، والتي تعد الأقوى من نوعها على الإطلاق منذ أن تم الشروع في ملاحظتها وتسجيلها، تمت ملاحظتها للمرة الأولى من قبل علماء فلك هواة ومهنيين انطلاقاً من كوكب الأرض كنقطة لامعة صغيرة على الجزء الشمالي من كوكب زحل في الخامس من شهر ديسمبر الماضي، أي قبل نحو تسع سنوات على الموعد المتوقع. والجدير بالذكر في هذا الإطار أن العاصفة السابقة وقعت عام 1990. ملاحظات علماء الفلك المشار إليهم أعلاه تزامنت مع رصد مركبة "كاسيني" لسيل من موجات الراديو المنبعثة من كوكب زحل، الذي يعد الكوكب السادس من حيث البعد عن الشمس، وثاني أكبر كوكب في النظام الشمسي بعد المشتري. وتمثل موجات الراديو تلك مؤشراً على البرق، ويمكن أن تستعمل لقياس قوته. وخلال السنوات التي تلت ذلك، كبرت تلك البقعة، التي تتحرك نحو الغرب بسرعة تناهز نحو 65 ميلًا في الساعة، إلى حجم يعادل تقريباً قطر كوكب الأرض. وبعد مرور نحو شهرين على ذلك، كان الجسم الضخم قد غطى الكوكب برمته، وقطع ما يزيد على 180 ألف ميل. وفي هذا السياق، يقول "دونالد جرنيت"، عالم الفيزياء بجامعة آيوا الأميركية، والذي أسهم في إعداد واحد من التقريرين اللذين تم نشرهما في مطلع هذا الشهر في دورية "نايتشر" المتخصصة: "لقد تحولت إلى عاصفة مذهلة، تتميز بالكثير من (الومضات الضوئية) لدرجة أننا لم نستطع تحليلها". ويشار هنا إلى أن هذا الانفجار الكبير للضوء يحدث عندما ترتفع الحرارة وبخار الماء من داخل مناخ كوكب زحل إلى "التروبوسفير"، والمقصود بذلك المنطقة من الغلاف الجوي، حيث يحدث الطقس. وعندما يبرد بخار الماء ذاك ويتكثف، تنبعث منه حرارة، وفي ظروف معينة، ينتج البرق. والجدير بالذكر أيضاً أن البرق يحدث على كوكب زحل في مكان عميق داخل الغلاف الجوي للكوكب، حيث يكون البخار في مستوى أعلى من الضغط، وهو ما يجعل البرق قوياً جداً. هذا وقد أتاحت الصور والقياسات الجديدة للعلماء فهماً أفضل فيما يتعلق بشكل "البقعة البيضاء الكبيرة". ففي الوقت الذي كان يُدفع فيه بخار الماء وغاز الأمونيا إلى "التروبوسفير" من قبل التيارات الأفقية، كانت بعض المواد تُسحب من قبل رياح شرقية، الشيء الذي يخلق "الرأس" الذي يميز العاصفة و"الذيل"، وكلاهما يمكن رؤيته انطلاقاً من كوكب الأرض. المسؤول الأول عن التقريرين أوجستن سانشيز لافيجا، عالم الكواكب بجامعة بلاد الباسك في مدينة بيلباو الإسبانية وزملاؤه تمكنوا من تقدير أن رأس العاصفة، حيث كان تتركز معظم حالات البرق، تمتد نحو 160 ميلاً تحت أعالي السحاب. ولأن الشمس لا تلمع هناك، فإن هذا يشير إلى أن الحرارة الداخلية للكوكب تساعد الكواكب على التشكل، كما يقول العلماء في التقريرين. والجدير بالذكر في هذا السياق أن "البقع البيضاء الكبيرة"، هي أكبر حجماً من العواصف العادية على كوكب زحل بنحو عشر مرات، وأقوى بنحو 10 آلاف مرة من تلك التي تحدث على كوكب الأرض. وهي تحدث موسمياً بسبب تغيرات بخصوص كمية أشعة الشمس التي تصل إلى كوكب زحل، غير أن العلماء مازالوا لا يفهمون بشكل كامل التفاعل بين الطاقة الشمسية والقوى الداخلية لكوكب زحل في خلق تلك العواصف. ------- دانييلا هيرمانديز – لوس أنجلوس ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي. إنترناشيونال"