مِنْ أميركا أكتب هذا المقال حيث أشارك في مؤتمر international institute of informatics and systemics ، والذي يهتم بالتكنولوجيا وعلومها وتطبيقاتها المختلفة في شتى المجالات، ويأتي التعليم في مقدمة هذا الشأن. فمدرسة لا تهتم بالتكنولوجيا تُخرّج جيلاً أمياً وفق معايير هذا العصر، فلم يعد الأمي من لايعرف الكتابة والقراءة والحساب كما كنا نعرفه. مَنْ أميركا؟ سؤال بحاجة إلى تعريف دقيق، فهي عدوة عند البعض، حليفة عند آخرين. لكن الكل يجمع أنها من يقود العالم في الوقت الراهن. هي أمة مكونة من أمم وأعراق تحالفت على دستور كتب في مقدمته “ ولد الإنسان كي يعيش حراً” وكلنا قرأ في تعليمه هذه المقولة التي صفع بها سيدنا عمر بن الخطاب عقل أميره، عندما اعتقد أن منصب الولاية جعل الناس عبيداً له فقال : متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً. أوليس من العجب أن تطبق أميركا هذه القاعدة فتقود العالم. والعربي الذي يحفظ من مدرسته هذه العبارة يصرخ الآن في بعض عواصم العالم العربي بكلمة حرية حرية. لقد تعلم العرب من التاريخ ومن أميركا أن الحياة لا توجد بها نهضة والناس رقابهم على الأرض من الخنوع والخضوع. أميركا أطلقت حرية الإنسان في التفكير والتعبير والطموح، فجاوزوا الأرض إلى الفضاء وغيرهم متعثر في مكانه. وإلا فكيف يحلم رجل مثل أوباما أن يكون رئيساً لأميركا ويحقق هذا الحلم، لأنه لو كان في إحدى دول العرب لكان طموحه متناسباً مع لون بشرته وليس عقله. التعليم في أميركا وهذا أحد أهم أسرار نهضتها غريب في تكوينه واضح في مضمونه. فهو من حيث المادة التعليمية ضحل إذا ما قورن بمناهج العرب المكثفة. فمن طرائف المؤتمر أن رجلاً تركياً سأله محاسب في أحد المحال من أين أنت، فقال من تركيا. فرد المحاسب لم أسمع بهذا الاسم من قبل هل هي مثل التركي، يقصد "الديك الرومي" كما يسميه الأميركان. ضحك الرجل التركي من ضحالة معلومة هذا الإنسان بالرغم من أنه جامعي. نعم مناهج التعليم في أميركا قليلة الحشو ضحلة في معلوماتها، لأن القصد من التعليم عندهم أن ينجح الجميع في مدارسهم. فمناهجهم ليست تعجيزية مثل مناهجنا، لكن التلميذ الذي لديه نبوغ في جانب من الجوانب يجد مناهج إثرائية تطور هذه القدرات لديه. الفكرة نفسها مطبقة في التعليم العالي، فهناك كليات مجتمع وكليات متخصصة وجامعات مبسطة لمن يرغب في إكمال دراسته بطريقة ميسرة، وفي المقابل هناك جامعات عريقة تستقطب صفوة الصفوة من مخرجات المدارس الأميركية، كجامعة هارفارد العريقة وستانفورد وغيرهما من الجامعات المتقدمة، بل إن الجامعات تقبل التلاميذ ثم تصنفهم حسب قدراتهم. ففي الجامعة التي كنت أدرس فيها كانت بعض المواد الدراسية تقدم على مستويين أحدهما عادي لعموم الدارسين، وللطلبة المتميزين كانت تقدم نفس المادة لكن بصورة أعمق وأدق، هؤلاء المتميزون هم من يقودون أميركا اليوم، وهم من يخططون للعالم. الحرية والعدالة والتعليم المتميز... كلمات ينبغي أن نتعلمها من جديد، كي نتمكن من تطبيقها في العالم العربي إن شئنا أن يكون لنا شأن بين أمم الأرض.