ترك اغتيال أحمد والي كرزاي الأخ غير الشقيق للرئيس الأفغاني حامد كرزاي، والرجل الأقوى في جنوب أفغانستان، فراغ قوة في ولاية قندهار. وأحمد كرزاي، والذي عين كمسؤول عن جنوب أفغانستان من قبل أخيه حامد كرزاي، اغتيل بإطلاق الرصاص عليه من قبل رئيس شرطة حمايته الشخصية "سردار محمد خان"، ما أدى إلى وفاته في الحال. وأحمد والي كرزاي كان واحداً من أكثر الرجال إثارة للخوف والرهبة في جنوب أفغانستان، حيث تمكن على مدى عدد من السنين من بناء إمبراطورية في قندهار، من خلال المصالح التجارية المتعددة والمتشابكة، والتي امتدت من عقد الصفقات إلى المشاركة في مشاريع البنية الأساسية التي تستثمر فيها أموال طائلة عادة. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة، كانت على علم تام بتجاوزاته، فإنها غضت الطرف عنها، لأنها كانت تخشى من فقدان شريك قوي في الحرب التي تخوضها ضد"طالبان". ونظراً لافتقارها للموارد الداخلية ومحاصرتها بجيران أقوياء من مختلف الجهات، ظلت أفغانستان تعيش حالة الأزمة منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي وتحديداً بعد أن وقعت تحت احتلال القوات السوفييتية. وأدت هزيمة القوات السوفييتية بعد عدة سنوات من الاحتلال، على أيدي المجاهدين، وخروجها من البلاد إلى نشوء فراغ قوة وبزوغ ظاهرة" الخانات الجدد"(جمع خان)، وهم من قادة المجاهدين ووجهاء القبائل، وبعض الخارجين على القانون. وعندما جلا السوفييت عن البلاد، فإنهم خلفوا وراءهم تجارة المخدرات، وزراعة مدمرة، وسكاناً لا يستطيع سوى ثلثهم فقط القراءة والكتابة. وفي عام 1992 استولى على السلطة في كابول، تحالف مكون من مجموعات بقيادة برهان الدين رباني. ولكن هذا التحالف كان يفتقر إلى الموارد الكافية، التي تمكنه من فرض سلطته على "الخانات الجدد" أو أمراء الحرب الذين خاضوا معارك الجهاد ضد الاحتلال السوفييتي. واعتبارا من 1994 بدأت الشبكات الدينية المدعومة من باكستان، والتي كان أعضاؤها يطلقون على أنفسهم اسم"طالبان" في محاربة تيار العنف الذي كان يمثله أمراء الحرب، والذي غمر باكستان بكاملها. وفي عام 1996 استولت "طالبان" على السلطة في كابول، وأقامت نظاماً يستند على الشريعة اطلقت عليه مسمى"الإمارة الإسلامية في أفغانستان". ولكن "طالبان" اضطرت على الرغم من ذلك إلى الدخول في مساومات، وعقد تسويات، مع أمراء الحرب لتأمين الأوضاع في المناطق التابعة لهم. بعد ثلاثة أسابيع من وقوع هجمات الحادي عشر من سبتمبر، أدت الهجمات الأميركية على أفغانستان المدمرة أصلاً إلى سقوط "إمارة طالبان الإسلامية". ولكن ذلك السقوط، وإنْ كان قد أدى إلى تغيير الأوضاع القائمة، إلا أنه لم يؤد إلى ازدهار الديمقراطية التي وعد بها جورج بوش وفريقه من "المحافظين الجدد" قبل غزو أفغانستان. ولم يكن "المحافظون الجدد" في الحقيقة، على استعداد لإنفاق مال، أو بذل جهد من أجل بلد لا يحتوي على احتياطات نفط أوغاز تحت أراضيه. لذلك قرروا إسناد مسؤولية إدارة البلاد من الباطن لأمراء الحرب المحليين، أو لأشخاص من ذوي النفوذ، أو الذين يمتون بصلة قرابة مع أصحاب النفوذ مثل أحمد والي كرزاي، الأخ غير الشقيق للرئيس الأفغاني الذي كان الأميركيون قد نصبوه في كابول. وعلى الرغم من أن "طالبان" تعرضت للهزيمة على أيدي الأميركيين، فإنه لم يتم القضاء عليها بشكل كامل، وهو ما مكن قبائل البشتون التي ينتمي إليها مقاتلو "طالبان" من السيطرة على المناطق الجنوبية من البلاد. وظلت مدينة قندهار، وهي ثاني أكبر مدينة في أفغانستان، تمثل قاعدتهم الرئيسية. ولذلك السبب، قرر الرئيس الأفغاني تنصيب أخيه غير الشقيق والي كرزاي مسؤولاً عن هذه المنطقة التي تعاني من "طالبان" وفي الوقت نفسه مسقط رأس عشيرة كرزاي القوية. ومن خلال منصبه هناك برز والي كرزاي تدريجياً كسياسي قوي، يستخدم مزيجاً من القسوة البالغة، والطرق غير المستساغة، للسيطرة على الأجزاء الجنوبية من خلال تعزيز وضع عشيرته"البوبالزاي". وأدت زيادة نفوذ والي كرزاي وعشيرته إلى إثارة سخط القبائل الأكبر، وأمراء الحرب ومنهم على سبيل المثال المحافظ السابق للإقليم"جول أغا شيرزاي"، وهو ما أدى إلى بروز نفوذ "طالبان" في الإقليم مجدداً. بصفته رئيساً لمجلس قندهار الإقليمي، أصبح والي كرزاي حليفاً وثيقاً للأميركيين ولقوات "الناتو"، حيث كان يقدم لهم المساعدة في تعقب مقاتلي "طالبان". لذلك السبب، فإن "والي كرزاي" كان ولفترة طويلة على قائمة المستهدفين بالقتل التي أعدتها "طالبان" للتخلص من أعدائها. ولذلك، فبعد اغتياله بفترة قصيرة أعلنت "طالبان" مسؤوليتها عن تنفيذ العملية، ووصفت ذلك الاغتيال بأنه واحد من أهم إنجازاتها على طريق المعركة المستمرة التي تخوضها ضد الأميركيين وحلفائهم. وفي الحقيقة أن اغتيال "والي كرزاي" يظهر بجلاء أن "طالبان" تقوم في الوقت الراهن بتعزيز نشاطها، وترسيخ وجودها، خصوصاً بعد اغتيال زعيم "القاعدة". وهناك إشاعات كثيرة منتشرة مؤداها أن "جان محمد خان" المستشار الوثيق الصلة بكرزاي والمحافظ السابق لـ"أوروزجان" من ضمن المستهدفين من قبل "طالبان" أيضاً. ليس من شك أن اغتيال والي كرزاي يمثل ضربة قاصمة لحلف "الناتو". فمعظم النجاح الذي حققه الحلف من خلال التصدي لـ"طالبان" تحقق في المناطق الجنوبية في البلاد وتحديداً في ولايات مثل قندهار وهلمند. وفي الحقيقة أن ما تحقق في هذه المناطق، هو الذي كان العامل الرئيسي في قلب كفة الميزان لمصلحة الحلف في حربه المستمرة مع "طالبان". وقد وصل هذا النجاح حداً دعا أميركا إلى القول إنها تفكر في نقل محور تركيزها من جنوب أفغانستان إلى المناطق الشرقية القريبة من الحدود مع باكستان، من أجل ضرب المعاقل القوية التي تتخذها "طالبان" ملاذاً لها. ومما يفاقم من خطورة الأوضاع أن اغتيال هذا الحليف القوي" والي كرزاي" يأتي في وقت حرج تمر فيه البلاد بمرحلة انتقالية حاسمة. فقوات "الناتو" مضطرة إبان هذه المرحلة للالتزام بجدول زمني نهائي يفرض عليها إنهاء عملياتها في أفغانستان خلال فترة لا تزيد على ثلاث سنوات، كما أن الولايات المتحدة تسعى لتخفيض أعداد قواتها في أفغانستان بسحب 33 ألف جندي، بحلول نهاية الصيف القادم. من خلال تطبيق قول مأثور يقول" يمكنك استئجار الأفغاني ولكن لا يمكنك شراءه"، تمكنت "طالبان" من التخلص بسهولة من "والي كرزاي" عن طريق رئيس طاقم حراسته، الذي كانت قد تمكنت من استئجاره منذ وقت طويل. وحتى في قندهار مسقط رأسه، والموطن الأصلي لعشيرته القوية من المشكوك فيه أن يحزن كثيرون، بل ولا حتى عدد قليل، على موت "أحمد والي كرزاي".