أطالب -كمواطن كويتي- حكومتي بالتوقف فوراً عن بناء ميناء مبارك الكبير على جزيرة بوبيان الكويتية، ما لم ننجح بإقناع العراق بأن الميناء لمصلحة البلدين ولتوثيق العلاقات المستقبلية والتجارية بينهما. قديماً قيل: إذا أردت أن تتعرف إلى مستوى النشاط الاقتصادي في بلد ما، فانظر إلى حركة الموانئ فيه. ضجة غير مبررة أثارتها أطراف عراقية رسمية وغير رسمية احتجاجاً على بناء الكويت لميناء على ساحل أكبر جزيرة في الخليج العربي- بوبيان الكويتية. سبب الضجة كما يقولون إن الميناء "يخنق" العراق، ويعرقل حركة الملاحة إلى موانئه بالفاو وأم قصر. وثائق اجتماعات اللجنة الكويتية- العراقية المشتركة تسجل مناقشة الميناء، وعدم اعتراض العراق عليه على الرغم من أن الاعتراض لا مسوغ قانونيّاً له ما دامت الكويت تبني الميناء على أرضها، وداخل مياهها الإقليمية. لم يقل أي خبير ملاحة بحرية "محايد" بأن الميناء يعوق الملاحة العراقية، ويكرر الكويتيون أن هدفهم من إنشاء الميناء تنشيط حركة التجارة والإسهام في إعادة بناء العراق، وتحويله إلى رئة تتنفس منها التجارة العراقية. رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي صرح بأنه لا علم له بالميناء، وبأنه سمع عنه من قبل طرف "ثالث" لم يسمه المالكي! الميناء يمكن رؤيته بالعين المجردة من البصرة، فلا هو مفاعل نووي تحت الأرض، ولا هو بمخبأ للصواريخ. يذكر أن السيد المالكي لم يصرح يوماً بعلمه بأي اختراقات لحدود بلاده شرقاً أو شمالاً. الأطراف العراقية التي تعارض الميناء الكويتي ثلاثة: طرف حكومي فشل في توفير الأمن والخدمات والماء والكهرباء والصرف الصحي، ويواجه معارضة شعبية تطالب بأبسط مقومات العيش الكريم. يسعى هذا الطرف إلى تصدير أزماته، وشغل شارعه السياسي بـ"الخطر" الكويتي القادم من الميناء! وطرف ثانٍ لايزال يلوك لغة العدوان والحرب، ويردد شعارات الضم والأصل والفرع على الرغم مما حاق بالبلدين الجارين من جراء هذا الفكر المدمر، وهو طرف يحمل حقداً على كل ما هو كويتي لأن الكويت بالنسبة لهم "لعنة" طاردتهم حتى قضت على نظامهم. وطرف ثالث مرتبط بأطراف إيرانية، تستخدمه هذه الأطراف لتذكير المنطقة دوماً بقدرتها على تسخين الجبهة بين الكويت والعراق، وبالتالي إزعاج منطقة الخليج العربي برمتها، مذكراً الجميع: "إن فقدنا التأثير في دمشق، فبغداد في جيبنا". هذا على الجانب العراقي، أما الجانب الكويتي فقد أظهر حسن نية أقرب إلى السذاجة، وبجهل بالشؤون العراقية الداخلية، فقد ظنت الكويت واهمة أن مثل هذا الميناء سيكون جسراً للتعاون والترابط والتشابك بالمصالح بين البلدين الشقيقين، وهو ما يفترض أن يكون، ولكن ليس في عراق اليوم الذي تحكمه محاصصات طائفية، وتتنازعه قوى منظمة للفساد. رافقت هذا تصريحات نيابية نارية بين الطرفين، خلقت حالة من التشنج هي آخر ما تحتاجه علاقة البناء والثقة بينهما، مع التأكيد على أن ثمة مصلحة لأطراف خارجية في استمرار حالة التوتر بين العراق والكويت. ميناء مبارك، ليس هو المشكلة، ولكن المشكلة في العبارات العراقية شبه الرسمية من أن الميناء يسد طريق الملاحة العراقية، ويضيق الخناق على مؤانئ العراق، وهي عبارات تتقارب في معانيها مع عبارات الرئيس العراقي السابق صدام حسين قبل غزو الكويت حين اعتبر أن الكويت ودولة الإمارات العربية المتحدة تحاربان العراق في رزقه مكرراً: قطع الأعناق، ولا قطع الأرزاق. باختصار: الكويت تهدف عبر الميناء للتعاون والتجارة مع العراق، وتنشيط الحركة التجارية على حدود البلدين وتمتد لأوروبا عبر تركيا، لكن إن اعترض العراق على هذا التعاون، فما الفائدة التي ترجى من الميناء؟ فلتوقف الكويت بناء مينائها، وأمرها إلى الله...