أسماء كثيرة معروفة في مجتمع الإمارات، وقائمة طويلة من الشخصيات الإعلامية والثقافية والفنية والأكاديمية والدبلوماسية ليسوا ضمن قوائم الهيئات الانتخابية.. بل إن أكثر من نصف المواطنين الذين تنطبق عليهم الشروط القانونية أسماؤهم غير مدرجة، وأغلبهم قبل الوضع من منطلق إيمانهم بمبدأ التدرج. وفي مقابل هؤلاء هناك أشخاص غاضبون لأن أسماءهم لم تدرج ضمن الهيئات الانتخابية لانتخابات 2011، وبعض هؤلاء يذهبون بعيداً بأفكارهم وتحليلاتهم لسبب عدم وجود أسمائهم، وإن كانت المسألة تحتاج إلى غضب لكان غضب تلك النخبة أولى وأكثر منطقية، لأنهم عندما يحتجون يكون لاحتجاجهم مبرر ليس لمنصبهم، وإنما لخبراتهم ولأعمالهم التي قدموها للبلد، وإن كان الغاضبون يعتبرون أنفسهم من النخبة التي يجب أن يوجد أسمها، فأسماء كثيرة من النخبة لم تشملها قوائم الهيئات الانتخابية، فلماذا لا تتنازل النخبة هذه المرة عن وضعها "النخبوي" وتقبل أن يكون لشرائح الشعب الأفضلية والأولوية، حتى تنجح التجربة؟! إن ما يقوم به أولئك الغاضبون هو أنهم يختزلون مشروع وطن وحلم أجيال في أشخاصهم، ويصرون على أن معيار نجاح هذه التجربة أو فشلها هو مشاركتهم فيها من عدمها، فإن شاركوا فالتجربة ناجحة وإن لم يشاركوا، نعتوا التجربة بكل ما هو سلبي، وفي سبيل ذلك يروجون لأفكار غريبة منها: أن من لم يرد اسمه ضمن القوائم فذلك يعني أن هناك ملاحظات على شخصه وأفعاله! وهذا غير صحيح، بدليل أن كثيراً من الأسماء المعروفة التي لا غبار عليها غير موجودة أيضاً. من يقومون بتلك الأفعال ويثيرون هذه الأفكار يظلمون أنفسهم ويظلمون وطنهم ويعرفون أن ما يروجون له غير صحيح. وكم كنت أتمنى لتفادي هذا الأمر أن تعلن اللجنة الوطنية لانتخابات المجلس الوطني المعايير التي تم على أساسها اختيار أعضاء الهيئات الانتخابية، حتى لا نترك مجالاً للبعض كي يصطاد في المياه العكرة وأن يستغل هذه النقطة ضد هذه التجربة. الديمقراطية الإماراتية ما تزال في طور "الـتجربة"، ولا يمكن أن تكون التجارب الجديدة بلا نواقص، فلماذا لا نعطي أنفسنا والآخرين المساحة الكافية حتى نحقق الأهداف ونصل إلى ما نسعى إليه، لماذا يعاند البعض ويصر على أمور لا تبدو منطقية؟ لماذا يتوقف عند الصغائر؟ ولماذا يضخم المشكلات البسيطة؟ نحن دائماً يدا ًواحدة، فلماذا قبلنا أن يسحبنا البعض إلى المناطق الخطرة، وإلى الأفكار المريبة؟! من لديه مطالب يفترض أن تكون لديه حلول وبدائل، ولديه الاستعداد للمواصلة والتضحية، ولا شك أن أي إنسان يرفع طلباً إلى أية جهة يعرف أن هناك احتمالين للتعامل مع طلبه، الأول أن يُقبل مطلبه وينفذ والآخر أن يرفض -ببساطة هذا الذي يحدث- ويفترض أن تكون لأصحاب العريضة رؤية واضحة لما يريدون وبدائل لتحقيق مطلبهم، وبالتالي فإنه عندما يحدث الاحتمال الآخر، وهو الرفض، يفترض أن يبدؤوا بالاتجاه نحو البدائل والخيارات الأخرى لتحقيق الهدف المنشود الذي يعتبرونه سامياً ومخلصاً ووطنياً. لكن الواضح أن أهل العريضة يكتفون بعريضتهم وينتقلون إلى الهجوم المباشر، وكأنهم كانوا ينتظرون رفض العريضة حتى ينتقلوا إلى المرحلة الأخيرة ويقوموا بما يقومون به الآن، وهذا سلوك غريب ممن يريدون التغيير، وهذا ما دفع الكثيرين إلى الانسحاب منها والتبرؤ ممن كتبها. فالذي نعرفه وتعلمناه وقرأناه أن أصحاب المبادئ والقناعات والأهداف السامية يناضلون من أجل تحقيق أهدافهم! ومن يريد أن يسير في طريق الإصلاح، لا يقبل أن يخرب في طريقه كل ما تم بناؤه وما تعب من قبله في إنجازه، فالإصلاح لا يقوم على التخريب والمصلحون على مر التاريخ لم يكونوا مخربين أبداً، لذا رأيناهم في الماضي نجحوا في تحقيق أهدافهم وفي التغيير، أما ما يحدث الآن من تشكيك في الثوابت بحجة الإصلاح، فيعرف الإنسان البسيط قبل العاقل والفهيم أنه لن يوصل إلا إلى الخراب. إذا أردنا أن نكون منصفين وعمليين، فيجب أن نسأل أولئك، لماذا ألقوا بعريضتهم، واختفوا ثم ظهروا وهم يلعنون الظلام بدل أن يشعلوا شمعة ويعملوا على دعم التجربة والترويج للفكر الانتخابي وتشجيع المواطنين على المشاركة، ومساعدتهم على معرفة حقوقهم وواجباتهم، وهم من الفئة الواعية والمتعلمة؟! لذا نقول، عندما يريد المواطن أن يصبح "ناشطاً" فليحرص أن يكون ناشطاً إيجابياً وبنّاءً وإن انتقد واعترض وخالف، وليس ناشطاً ينكش في السلبيات ويبحث عن الأخطاء فقط، فدور المثقف والأكاديمي والحريص على مصلحة بلده، ليس أن يكون اسمه ضمن القوائم الانتخابية -ولا أشك أن اليوم الذي سيكون فيه أسماء الجميع ضمن القائمة قريب- وإنما دوره المشاركة الفعالة في هذه التجربة من أجل إنجاحها... ولتقبل النخبة ولو لمرة أن تكون "خلف الكواليس" ووراء الناخبين من الشعب تدعمهم وتثقفهم وتخدمهم حتى يكتب لهذه التجربة النجاح.