رغم النمو الاقتصادي والاجتماعي اللافت في الوطن العربي خلال العقود الستة الماضية، تبقى معظم الأنظمة السياسية العربية تتسم بدرجات وأشكال متفاوتة من الأوتوقراطية، مقارنة بالتلازم الإيجابي بين التنمية والديمقراطية في مناطق أخرى من العالم. والكتاب الذي نعرضه هنا هو محاولة لـ"تفسير العجز الديمقراطي في الوطن العربي"، استناداً إلى العوامل والدوافع الرئيسية وراء ذلك العجز، وعبر مجموعة مركبة من التفسيرات التحليلية. هذا علاوة على أنه يجمع بين التحليل الكمي والنوعي في الدراسات المعمقة لحالات سبع بلدان عربية هي الأردن ولبنان وسوريا والجزائر والعراق ومصر والسودان. وقد حرره كل من إبراهيم البدوي وسمير المقدسي، وساهم فيه نخبة من الباحثين العرب، ضمن مشروع بحثي مشترك حول محددات العجز الديمقراطي العربي، واستغرق إنجازه مدة العامين، ورعته هيئات بحثية وأكاديمية وتنموية، عربية وأميركية وأوروبية ودولية، مثل "مركز بحوث التنمية الدولية" في أوتاوا، والجامعة الأميركية في بيروت، و"منتدى البحوث الاقتصادية" في القاهرة، وكلية دبي الحكومية، وجامعة وستمنستر في لندن، و"معهد الاقتصاد المالي" و"مركز بحوث وحوارات السياسة العامة" في عمّان. هذا ويقع الكتاب في ثلاثة أقسام، يتناول أولها إطار التحليل المفاهيمي للدراسة العابرة للبلدان، بينما يضم الثاني -وهو القسم الرئيسي-حالات البلدان العربية وقد تم تقسيمها إلى ثلاث مجموعات: بلدان المشرق، والبلدان النفطية، وبلدان وادي النيل. أما القسم الثالث والأخير فيلخص قضية الديمقراطية في الوطن العربي. لقد شخصت بحوث الكتاب الأسباب الأساسية لاستدامة النظم الأوتوقراطية في الوطن العربي، ولو بدرجات وأشكال مختلفة من بلد لآخر. وبينما تتشارك بلدان المنطقة في بعض هذه الأسباب، فإن بعضها الآخر أسباب خاصة ببلدان معينة. وقد عرض الكتاب العوامل التي تفسر تواصل العجز الديمقراطي العربي تحت عنوانين عريضين: أولهما النفط وصراعات المنطقة والتدخلات الخارجية، وثانيهما القضايا التاريخية والسياسية والمجتمعية. وتطرح المجموعة الأولى ثلاثة استنتاجات تتعلق بالثروة النفطية والدولة الريعية ودور الصراعات والتدخلات الخارجية في المنطقة. وبينما حاول وضع الدولة الريعية في سياقها الاجتماعي والسياسي والتاريخي، ومن ثم تقييم تأثيرها في الحكم والتنمية، فقد أوضح أن دور الصراعات الإقليمية في تشجيع النظم الأوتوقراطية يرتبط بالصراع العربي الإسرائيلي. علماً بأن الدول الأقرب إلى ساحة ذلك الصراع، وهي الأردن ولبنان ومصر وسوريا والعراق، تأثرت به سلباً أكثر من الجزائر أو بلدان الخليج العربي مثلا. أما الأثر السلبي للحروب الأهلية على نظام الحكم فقد تجلى بصور مختلفة، ففي حالة السودان شجعت الحرب الأهلية على قيام انقلابات عسكرية، بينما أذكت الانقسامات الطائفية والمذهبية في لبنان، وبالتالي أعاقت التحول المحتمل نحو نظام ديمقراطي أكثر تقدماً. وتبين الدراسات القطرية في الكتاب أن عدداً من البلدان العربية تتشارك في عوامل أخرى تقدم تفسيرات مكلمة لتواصل الحكم الأوتوقراطي فيها. وأهم هذه العوامل: الإرث التاريخي، والخوف من المجموعات الأصولية. ففي عدد من البلدان العربية أدت الموروثات التاريخية دوراً في بقاء الطبيعة الأوتوقراطية للدولة، ومن ذلك مثلا حالة السودان حيث واصلت الأحزاب السياسية السائدة في حقبة ما بعد الاستعمار تقاليدها في التعامل الطائفي والسياسة المشخصنة إبان الحكم الاستعماري، ولهذا لم تشهد السودان حتى الآن قيام نظام ديمقراطي متين ومتطور. وإن استدرك الكتاب بالقول إن تأثير الموروثات التاريخية قد يكون أقل في بلدان عربية أخرى، فهو يؤكد على أن معظم النظم العربية الحاكمة بعد الاستقلال واصلت -بشكل عام- الاستئثار بالامتيازات والصلاحيات نفسها التي سبق أن تمتعت بها الدولة الاستعمارية، وذلك عزلت نفسها عن مجتمعاتها، كما فعلت القوى الاستعمارية. ويبرز الكتاب بعض العوامل الخاصة بكل بلد عربي على حدة؛ ففي مصر مثلا ساهم تقهقر مسار التصنيع خلال الثمانينيات في إعاقة دمقرطة البلاد، وفي الأردن كان لعاملَيْ استيعاب الطبقة الوسطى، والانقسام السكاني بين أردنيين وفلسطينيين، تأثيرهما السلبي في العملية الديمقراطية. وفي سوريا كان لتحييد دور طبقة رجال الأعمال تأثير مماثل. وفي السودان ساهم الاستقطاب داخل النظام الاجتماعي والتدخلات الخارجية في إعاقة عملية الدمقرطة. وأخيراً ربما يتوجب القول إن الفهم الكامل لتواصل العجز الديمقراطي العربي، يظل متعذراً بدون الارتكاز إلى العوامل التاريخية والسياسية والمجتمعية معاً، علاوة على خصوصيات الحاضر المحلي لكل بلد عربي على حدة. محمد ولد المنى الكتاب: تفسير العجز الديمقراطي في الوطن العربي المحرران: إبراهيم البدوي وسمير المقدسي الناشر: مركز دراسات الوحدة العربية تاريخ النشر: 2011