ظل الشرق الأوسط هو النقطة المركزية وواسطة العقد للسياسة الخارجية الأميركية، وذلك منذ أن برزت أميركا كقوة عظمى بعد الحرب العالمية الثانية، وحلت محل الإمبراطوريتين السابقتين بريطانيا وفرنسا في مناطق نفوذهما، وخصوصا في المنطقة المعروفة حالياً باسم "الشرق الأوسط الكبير". وخلال هذه العقود واجهت أميركا تحديات عديدة، وتمكنت بوسائل مختلفة من مواجهة بعضها بنجاح بينما كان الفشل نصيبها في البعض الآخر. وفي الكتاب الذي نعرضه هنا تحت عنوان "تحديات أميركا في الشرق الأوسط الكبير... سياسات إدارة أوباما"، لمؤلفه "شاهرام أكبرزاده"، أستاذ السياسات الآسيوية في كلية ملبورن بأستراليا، يقول المؤلف إن أوباما يواجه العديد من التحديات حالياً، منها الحربان المستمرتان في العراق وأفغانستان، والبرنامج النووي الإيراني، والصراع الإسرائيلي الفلسطيني المستمر منذ عقود، والمشهد المتغير في المنطقة عقب الانتفاضات التي ثارت في عدد من بلدانها. كما يوضح أن السياسات التي اتبعتها إدارة أوباما منذ توليها الحكم في يناير 2009 لمواجهة تلك التحديات، لم تؤت أكلها حتى الآن: ففي العراق لا يزال هناك سجال محتدم حول خروج القوات الأميركية، وحول ما إذا كانت ستنسحب في الموعد الذي حدده أوباما، أم سيبقى بعضها في قواعد خارج المدن العراقية، لحماية البلاد من الأخطار الخارجية ولتقديم التدريب والاستشارة... أم أنها ستنسحب بالكامل؟ هذا السؤال المركب لم تتم الإجابة عنه حتى الآن، ولا تزال الأمور في العراق غير محسومة، حيث مازالت القوى السياسة العراقية مختلفة بشأنه، كما أن القوات الأميركية تعرضت في الفترة الأخيرة لهجمات نوعية جديدة مما يعني أن الاستقرار الأمني لم يزل هدفا بعيد المنال. وفي أفغانستان كان أوباما قد أعلن سياسته الجديدة بشأن ذلك البلد الذي قال منذ مجيئه إلى الحكم إنه سيكون على رأس أولوياته، وإن الحرب فيه "حرب ضرورة" بالنسبة لأميركا لا حرب اختيار، وإن سياسته سوف تقوم على العمل من أجل حسم الحرب، و تسريع وتيرة انسحاب القوات... رغم أنه اضطر تحت إلحاح قادته العسكريين لإرسال مزيد من القوات بعد عودة حركة "طالبان" إلى النشاط، مع العمل في ذات الوقت على تسريع وتيرة تدريب قوات الجيش والشرطة الأفغانية لتولي مسؤولية الدفاع عن البلاد وضبط الأمن. كما أعلن أوباما أن استراتيجية قواته هناك هي مكافحة التمرد، وأن هذه المهمة تدعم استراتيجية بناء الأمم، وهي سياسة لم تنجح بسبب تزايد نشاط "طالبان" والهجمات التي تشنها، بالإضافة إلى الخلافات الأميركية المستجدة مع الرئيس كرزاي بشأن الهجمات التي تشنها الطائرات بدون طيار والتي تؤدي لسقوط العديد من المدنيين الأفغان، ولزيادة السخط والكراهية ضد أميركا. ويشير المؤلف إلى أن العديد من القادة الأميركيين كانوا قد اختلفوا مع أوباما باعتبار أن سياسته لتسريع انسحاب القوات ترسل إشارة خاطئة يفهمها المتمردون على أنها تعني هزيمة الولايات المتحدة، مما يرفع روحهم المعنوية ويشحذ عزيمتهم بطاقة متجددة، عكساً لما تخطط له السياسة الأميركية هناك. ولا تقتصر التحديات التي تواجهها سياسة أوباما على ذلك، حيث تواجه تحديات جديدة وخطيرة على ضوء المشهد السياسي المتحول في "الشرق الأوسط الكبير" في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، وهناك دول أخرى مرشحة لذلك أيضاً، وهو ما يفاقم من التحديات الطويلة الأمد للمصالح الأميركية في المنطقة، خصوصاً على ضوء أن معظم تلك الانتفاضات أطاحت أو تطيح بنظم ظلت تشكل ركنا من أركان السياسة الخارجية الأميركية في المنطقة، علاوة على أن الولايات المتحدة لم تتبن موقفا حاسما بتأييد تلك الثورات منذ البداية، وتحاول الآن توجيهها لمصلحتها من خلال برامج مساعدات ودعم، وهو ما يبرز أنانية أميركا وبراجماتيتها المفرطة. وينهي المؤلف كتابه بالقول إن الإدارة الأميركية تواجه صعوبة متزايدة في تخفيض حجم اهتمامها بشؤون الشرق الأوسط كي تخفف الضغط على إنفاقها وأزمة الديون التي تعاني منها، لأن قيامها بذلك حالياً حيث لا تزال المنطقة تشهد العديد من بؤر الغليان، سوف يؤثر على المصالح الأميركية سلبا، بل ويمكن أن يصيبها بأضرار فادحة قد تحتاج إلى عقود عديدة للشفاء منها، وهو ما يؤثر على وضعها ومكانتها في إطار المنافسة المحتدمة مع القوى العالمية الأخرى الصاعدة. سعيد كامل الكتاب: تحديات أميركا في الشرق الأوسط الكبير... سياسات إدارة أوباما المؤلف: شاهرام أكبرزاده الناشر: بالجريف ماكميلان تاريخ النشر: 2011