شهدت عملية السلام المتعثرة في الآونة الأخيرة مجموعة من الانتكاسات المتتالية، فقد التأمت مؤخراً اللجنة الرباعية، التي تضم الولايات المتحدة وروسيا والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، في واشنطن لتقييم الهوة المتسعة بين الأطراف المعنية والجمود الواضح الذي وصلت إليه عملية السلام، ولكن المجتمعين رحلوا الاجتماع إلى وقت لاحق دون إصدار بيان يوضح التفاصيل. وبما أن أعضاء اللجنة الرباعية يعتمدون بشكل كلي على واشنطن لدفع عملية السلام ويعولون عليها في كل شيء من خلال دعمهم للمفاوضات المباشرة بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، وبما أن إدارة أوباما لم يعد لديها شيء لتقدمه لم يكن هناك ما يستحق النقاش لينفض الاجتماع دون نتيجة. وإذا كانت هذه المحصلة مخيبة لآمال الطرف الفلسطيني فإنها جاءت مشجعة لنتنياهو، الذي أظهر مراراً وتكراراً عدم جديته في التفاوض على تسوية حقيقية مع الفلسطينيين، بل إن صحيفة "هآرتس" نقلت في الأسبوع الماضي أن مسؤولا أميركيّاً بارزاً وصف الاجتماع بـ"الممتاز"، مضيفاً أن أعضاء اللجنة الرباعية "عبروا عن دعمهم لخطاب أوباما في شهر مايو الماضي حول السلام في الشرق الأوسط". وباستخدامه لغة شبيهة بنبرة نتنياهو أكد هذا المسؤول الأميركي أن اللجنة "دعت إلى إطلاق مباحثات تحضيرية دون شروط مسبقة". وفي مؤتمر صحفي قبل اجتماع الرباعية رفضت كل من وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، والمنسقة العليا للسياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، كاثرين آشتون، تأييد المساعي الفلسطينية الرامية للتوجه إلى الأمم المتحدة بحلول شهر سبتمبر المقبل. لكن الأمر لم يقتصر على هذا التراجع في آفاق السلام بل امتد إلى حدث آخر تمثل في تعيين دينيس روس مبعوثاً خاصاً للرئيس أوباما في الشرق الأوسط خلال الشهر الماضي. وهو ما يشكل بدون أدنى شك ضربة أخرى للفلسطينيين بالنظر إلى سجل "روس" الطويل من الإخفاقات في الشرق الأوسط، حيث شارك في العديد من المهام بالمنطقة دون نتيجة ملموسة، ومن الصعب فهم تعيين "روس" في هذه المرحلة، اللهم إلا إذا كان الدافع كونه من أشد المناصرين دفاعاً عن إسرائيل في واشنطن، وكون ترأس من قبل معهد "سياسة الشعب اليهودي" بالقدس، ولذا يأتي تعيين الرجل كخطوة من أوباما تقربه من المواقف الإسرائيلية، وهي الخطوة التي تهدف إلى استقطاب الأصوات اليهودية، وفي الوقت نفسه ممارسة المزيد من الضغوط على الفلسطينيين، بحيث لن تحيد مهمة "روس" عن محاولة إقناع الفلسطينيين بالتخلي عن فكرة إعلان الدولة الفلسطينية المستقلة في الأمم المتحدة. وأكثر من ذلك يُتوقع من "روس" الضغط على الفلسطينيين للاعتراف بإسرائيل كدولة لـ"الشعب اليهودي"، وبعبارة أخرى سيسعى "روس" إلى أن يحقق من خلال أسلوب الضغط على الفلسطينيين ما فشلت في تحقيقه ستون عاماً من العنف منذ قيام إسرائيل، وعشرون عاماً من المفاوضات منذ اتفاقات أوسلو في عام 1993، وهي قبول الفلسطينيين بالطبيعة العنصرية للأسس الصهيونية لدولة إسرائيل التي بموجبها يملك اليهودي المولود في أي مكان من العالم حقوقاً في فلسطين أكبر من المسلم، أو المسيحي، المولود في فلسطين نفسها. ولو حصلت إسرائيل على هذا التنازل الكبير الذي تدعمه أطواف في واشنطن ونتنياهو فسيعني ذلك حرمان اللاجئين الفلسطينيين من حق العودة الذي يقره القانون الدولي، بحيث يبدو أن هدف إسرائيل ومن ورائها واشنطن هو تأمين هذا التنازل الباهظ قبل الدخول في المفاوضات. أما الانتكاس الثالث لعملية السلام الميتة في الشرق الأوسط الساعية إلى خنق التطلعات المشروعة للشعب الفلسطيني في نيل الاستقلال فقد تجسدت عندما تدخل الكونجرس الأميركي في الأسبوع الماضي للتهديد بمعاقبة الفلسطينيين إذا لم يتخلوا عن توجههم نحو الأمم المتحدة للحصول على العضوية، فقد صادق مجلس الشيوخ بالإجماع على مشروع قانون، وصوت لصالحه أيضاً مجلس النواب بالأغلبية الساحقة، يتوعد الفلسطينيين بنتائج وخيمة إذا أصروا على الذهاب إلى الأمم المتحدة. وبموجب هذه المشروع أيضاً تتحول رسالة الضمانات التي بعث بها بوش إلى شارون في 2004 إلى سياسة رسمية، بالإضافة إلى الجزء الثاني من المشروع الذي يرغم الإدارة على نقل مقر السفارة الأميركية في إسرائيل إلى القدس مع عبارة عجيبة تقول "حتى لو تعارض ذلك مع الأمن القومي الأميركي". ومن الواضح من خلال هذه التطورات أن أطرافاً في إدارة أوباما قد اقتربت الآن أكثر من المواقف الإسرائيلية التي ينحاز لها أصلًا الكونجرس ويدافع عنها بشراسة. وفيما تتضافر جهود إدارة أوباما والكونجرس لمساندة إسرائيل والضغط على الجانب الفلسطيني وإثقال كاهله بالمزيد من المطالب التعجيزية ينشغل الإسرائيليون كما هو دأبهم دائماً بفرض المزيد من الحقائق على الأرض، حيث كشفت منظمة "بيتسليم" الإسرائيلية للسلام في الشهر الماضي عن نية السلطات الإسرائيلية الإعلان عن مصادرة 189 دونماً من الأراضي الفلسطينية لبناء المستوطنات. وهذه السرقة الموصوفة للممتلكات الفلسطينية ليست مجرد خرق للقانون الدولي، بل هي انتهاك صارخ للالتزامات التي تعهد بها نتنياهو نفسه في خطاب "بار إيلان" في عام 2009 عندما أعلن قبوله بحل الدولتين. ولكن في ظل رئيس أميركي عاجز عن ترجمة الأقوال إلى أفعال، وكونجرس مهتم بالمصالح الإسرائيلية أكثر من مصالح أميركا، وفي ظل رئيس وزراء إسرائيلي لم يخفِ قط رغبته في نسف اتفاقات أوسلو، وفي غياب الأمم المتحدة وتراجع روسيا وضعف الاتحاد الأوروبي مع استمرار إسرائيل في نهب الأرض الفلسطينية، فلا غرو أن تدخل عملية السلام في طور الانهيار.