ضمن عملية الصراع الدولي، يمكن اعتبار ما مرت به المنطقة من أحداث منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وحتى الآن، بما في ذلك جزئيّاً الاحتجاجات الحالية في البلدان العربية، بمثابة صراع للاستحواذ على النفط بصورة أساسية، حيث يمكن من خلال ذلك التحكم في الكثير من أوراق اللعبة في العلاقات الدولية. ففي ذروة حمى الاستقلال الوطني في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي تم إنهاء اتفاقيات الامتياز الممنوحة لشركات النفط الأجنبية في بلدان المنطقة الذي اعتبر في وقته بمثابة تأميم، حيث برز اتجاهان، الاتجاه الأول تمثل في التأميم الكامل لاستخراج النفط وهو الاتجاه الذي ساد في العراق وليبيا. أما الاتجاه الآخر، فهو التأميم الجزئي الذي اتبعته دول الخليج العربي، وقد اعتبر في حينه أكثر عقلانية واتزاناً واستفادة من الخبرات التي تتمتع بها شركات النفط العالمية. ومنذ ذلك الوقت احتدم الصراع لإعادة اقتسام النفوذ في صناعة النفط العالمية حتى وإن تم ذلك من خلال الحروب، إذ شهدت المنطقة ثلاث حروب أعقب الثانية منها رهن جزئي للنفط العراقي من خلال برنامج "النفط مقابل الغذاء"، ومن ثم مقايضة النفط العراقي بعد الحرب الثالثة لتسديد فواتير حرب الكويت وتداعيات حرب 2003 حيث قدر الرئيس الأميركي تكاليف حروب العقد الماضي بألف مليار دولار (تريليون) في حين قدرتها دراسة نشرها موقع جامعة "براون" الأميركية بأربعة آلاف مليار دولار (أربعة تريليونات)، وقد أشارت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية في نهاية شهر أبريل الماضي إلى وثيقة سرية تبين تورط حكومة "توني بلير" في الحرب على العراق طمعاً في النفط العراقي، ووفقاً للوثيقة، فإن عقوداً أبرمت مع شركات أجنبية في أعقاب غزو العراق تغطي نصف احتياطيات العراق، البالغ حجمها 90 مليار برميل من النفط. وبسبب الأحداث في ليبيا طالبت جهات غربية عديدة بضرورة إلزام ليبيا بدفع كامل تكاليف التدخل العسكري لـ"الناتو" هناك، أي رهن النفط الليبي لسنوات طويلة قادمة. أما صحيفة "الفايننشال تايمز"، فقد أشارت في عددها الصادر نهاية الأسبوع الماضي إلى أن إعادة إعمار ليبيا ستكون مهمة ضخمة بعد استنزاف جميع المؤسسات المدنية في البلاد. ويبدو أن هناك توجهات لعمليات رهن أخرى في المستقبل، بما فيها النفط الإيراني، فالعالم وعلى عكس التوقعات السابقة يزداد اعتماده على النفط، فالاستهلاك العالمي سيرتفع في العام القادم 2012 إلى أكثر من 91 مليون برميل يوميّاً، كما أن الطلب في تزايد بمعدل 9 ملايين برميل يوميّاً كل سبع سنوات، مثلما تشير إلى ذلك وكالة الطاقة الدولية، أي أنه سيتجاوز المئة مليون برميل يوميّاً بحلول عام 2020. وضمن أمور عديدة، فإن من سيتحكم في قطاع استخراج النفط في المنطقة، سيدير شؤون الطاقة المحركة للاقتصاد العالمي، بما في ذلك تلبية احتياجات اقتصادات البلدان الصاعدة، كالصين والهند، التي تتعامل بندية مع القوى الكبرى في الوقت الحاضر. إن المهم في الأمر، هو أن عملية رهن النفط تعتبر أسوأ كثيراً إذا ما قورنت باتفاقيات الامتياز التي تخلصت منها البلدان النامية المنتجة للنفط في بداية سبعينيات القرن الماضي، فإذا كانت اتفاقيات الامتياز تتيح للبلدان المنتجة الحصول على نسبة ثابتة من الريع النفطي، فإن الرهن الحالي لا يضمن هذه النسبة بسبب الخصومات التي ستطال هذا الريع، وبالأخص تكاليف الحروب والتعويضات وإعادة الإعمار. وفي المقابل فليتطاحن العراقيون طائفيّاً قدر ما يستطيعون، والمهم أن يستمر الذهب الأسود في التدفق من خلال الأنابيب حتى إشعار آخر.