تقسم الأمراض والمشاكل الصحية ضمن عدة تقسيمات وتصنيفات، بناء على سببها، أو طبيعتها، أو نتيجتها، وغيرها من التقسيمات والتصنيفات. فعلى سبيل المثال، تقسم الأمراض إلى مُعدية أو غير معدية، وتقسم الأورام على أنها حميدة أو خبيثة، وهلم جرا. ومؤخراً ظهر تصنيف جديد للأمراض، لا يمكن اعتباره تصنيفاً علميّاً بالمعنى المفهوم، يقسمها حسب المسؤولية الشخصية أو الفردية، أو حسب انتفاء أو انعدام هذه المسؤولية. فعلى سبيل المثال، يمكن تقسيم الأمراض الجنسية على أنها تقع ضمن المجموعة ذات المسؤولية الشخصية، كونها تنتج عن فعل قام به الشخص، بينما تصنف الأمراض الوراثية على أنها ليست ذات مسؤولية شخصية، كونها لم تنتج عن فعل قام به الشخص، لأنه أصيب بهذا المرض الوراثي نتيجة خلل وراثي انتقل إليه من الوالدين، أو وقع أثناء تلقيح البويضة وانقسامها لتكوين الخلايا الأولية في الجنين، إلى آخره. وأحياناً ما يقع بعض الأمراض تحت التصنيفين، حسب سببها، فالسمنة الناتجة عن النهم الشديد المصاحب بقلة الحركة والنشاط البدني، هي مرض يحمل المريض فيه مسؤولية شخصية، بينما نجد أن السمنة الناتجة عن اضطراب هرموني في الغدد الصماء تبقى، في النهاية، مرضاً لا يحمل المصاب به أية مسؤولية شخصية. ويحمل هذا المفهوم في تصنيف الأمراض تبعات مهمة وخطيرة جدّاً، إذا ما تم قبوله في الأوساط الطبية والعلمية -وهو ما لم يحدث حتى الآن على نطاق واسع- وإن كانت بدايات تغلغله في أوساط الرعاية الصحية قد أطلت برأسها بالفعل. فقبل سنوات رفض بعض الأطباء البريطانيين علاج المرضى الناتج مرضهم عن التدخين، أو على الأقل وضعوا هؤلاء المرضى في آخر قوائم الانتظار للجراحات. وعلى المنوال نفسه تطبق برامج زراعة الأعضاء نفس المفهوم، حيث يتراجع مثلاً دور المنتظرين لزراعة كبد، إذا ما كان سبب فشل كبدهم في الأساس هو إدمانهم للكحوليات. وإذا ما كان موقف المجتمع الطبي من هذا المفهوم في تصنيف الأمراض غير واضح أو محدد، بخلاف بعض الحالات الاستثنائية، فإن موقف شركات التأمين الصحي على العكس من ذلك تماماً، حيث كثيراً ما ترفض هذه الشركات تغطية تكاليف الرعاية الصحية للأمراض الناتجة عن السلوك الشخصي، مثل الأمراض الجنسية، أو الجروح والإصابات الجسدية الذاتية الناتجة عن بعض الاضطرابات العقلية، أو الحوادث الناتجة عن ممارسة نوع خطير من أنواع الرياضات العنيفة. وتذهب بعض شركات التأمين الصحي إلى أبعد من ذلك، فترفض من الأساس توفير وثيقة تأمين لأشخاص مصابين بأمراض مزمنة، وخصوصاً إذا ما كانت هذه الأمراض ناتجة عن سلوك شخصي. وفي ظل حقيقة كون نظم الرعاية الصحية القومية في أغلب دول العالم ترزح حاليّاً تحت وطأة تكلفة توفير العلاج للأمراض المزمنة، بالإضافة إلى أسباب أخرى مثل الزيادة المستمرة في عدد السكان، وارتفاع متوسط أعمار الأفراد ضمن ظاهرة تشيُّخ المجتمعات، أصبح البعض يطالب بتطبيق نفس سياسات شركات التأمين الصحي على المرضى المكفولين بنظام رعاية صحي مجاني. ويمكن بسهولة إدراك العبء الذي تلقي به الأمراض الناتجة عن السلوك الشخصي غير الصحي، أو الأمراض الواقعة ضمن تصنيف المسؤولية الشخصية، ضمن حجم تكلفة رعاية وعلاج مرضى السكري. فعلى رغم أن السكري من النوع الثاني لا يرتبط دائماً بالسمنة الناتجة عن النهم الشديد للطعام وقلة الحركة البدنية وضعف النشاط البدني، إلا أن العلاقة بينهما وثيقة ومؤكدة، إلى درجة أن ثمانين في المئة من مرضى النوع الثاني يكونون أصلاً أشخاصاً زائدي الوزن. ويمكن بسهولة إدراك تكلفة نمط الحياة غير الصحي لهؤلاء، إذا ما حاولنا تخيل التكلفة الاقتصادية للمضاعفات الصحية للسمنة والسكري، وللأمراض الثانوية التي تنتج عنهما. فعلى سبيل المثال، أظهرت النتائج الصادرة عن أحد المراكز القومية الأميركية المتخصصة في جمع ونشر المعلومات عن السكري أن تكلفة علاج السكري في الولايات المتحدة وحدها، تزيد عن 132 مليار دولار سنويّاً. وهذا الرقم على ضخامته، يبدو شديد التحفظ في ظل تقديرات الجمعية الأميركية لمرض السكري بأن تكلفة السكري في الولايات المتحدة تزيد سنويّاً عن 218 مليار دولار. وإذا ما انتقلنا للحديث عن التدخين، وهو مرة أخرى سلوك شخصي غير صحي، فسنجد أن الوضع ليس أفضل بكثير من السمنة والسكري، وربما كان أسوأ. فالتدخين يتسبب في طائفة متنوعة ومتعددة من الأمراض، تعرف أحياناً بـ"كتالوج علل المدخنين"، التي يتطلب كل منها علاجاً ورعاية طبية، يتحملها نظام الرعاية الصحية القومي، والمجتمع برمته. وتكثر وتتعدد الأمثلة التي يمكن استدعاؤها، لإثبات وجهة نظر الفريق المطالب بتحميل الفرد مسؤولية المشاكل الصحية الناتجة عن سلوكه الشخصي الخاطئ، والتي يمكن تلخيصها في أن الشخص الذي يتسبب في حادث مروري، بسبب السكر أو المخدرات، لا تتحمل شركات التأمين، ولا إدارة المرور تكاليف إصلاح سيارته، فلما إذن يجب أن تتحمل شركات التأمين، أو وزارة الصحة، تكاليف علاج شخص أصيب بسرطان الرئة، بسبب قراره بإشعال سيجارة تلو الأخرى، لسنوات وعقود؟