دعا الشيخ عبدالمجيد الزنداني، رئيس جامعة الإيمان، إلى إقامة "دولة إسلامية شوروية" في اليمن، كنواة لإعادة إحياء نظام "الخلافة الإسلامية" في عالمنا المعاصر، بديلاً عن "الدولة المدنية الحديثة" التي يطالب بها ويسعى إليها الثوار في اليمن، وأكد حق الشعب اليمني في اختيار حكامه ونوابه ولكن ليس عبر أسلوب حكم الشعب للشعب، وإنما حكم الشعب بحكم الله، مما يعني رفضه إقامة دولة مدنية حديثة تدعو إليها المعارضة وشباب الثورة. الشيخ الزنداني أحد أبرز علماء اليمن ذوي التوجه السلفي وله أنصار وتلاميذ وله مكانة سياسية ودينية ويعد رئيساً لهيئة علماء اليمن، وسبق قبل عقد من الزمان أن أسس الهيئة العامة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة وأعلن اكتشافه علاجاً شافياً لفيروس الإيدز. وقد قوبلت دعوته إلى إقامة دولة إسلامية بردود فعل معارضة من قبل مجموعة من المثقفين اليمنيين والناشطين السياسيين والحقوقيين والإعلاميين المخالفين لتوجهات الشيخ السلفية، ورأوا في هذه الدعوة نوعاً من الوصاية الدينية السلفية على الثورة والأحزاب المعارضة، وتثير مخاوف الغرب ضد الثورة، طبقاً لتصريح أحد المعارضين الذي عبر عن هذه المخاوف بقوله: "إن الغرب لن يسمح بوجود دولة جهادية في اليمن، تسيطر على أهم ممر مائي دولي، وتقع بجوار دول الخليج التي تمثل خزان النفط العالمي، ويخشون -في ظل دعوة الشيخ الزنداني وتنامي نفوذه السياسي والديني- من أنه إذا انتقلت السلطة إلى أحزاب المعارضة أقامت دولة دينية، وأصبح الزنداني هو آية الله العظمى الجديد في اليمن". ومن هذا المنطلق فإن هذه الدعوة تضع مزيداً من العقبات في طريق إنجاح الثورة اليمنية، ومن المفيد أن نذكر أن دعوة الزنداني للدولة الإسلامية ورفضه للدولة المدنية، تأتي في أعقاب صدور وثيقة الأزهر التي أضفت الشرعية على الدولة المدنية التي تقوم على نظام ديمقراطي يكفل الحقوق والحريات العامة، وهذا ما يغري ويشجع الكتاب والباحثين لإجراء مقارنة تحليلية بين رؤيتين أو تصورين للدولة من منطلقات دينية، بهدف التوصل إلى نتائج ودلالات معينة في الشأن السياسي الإسلامي، وبالذات تصور الإسلاميين للدولة المنشودة. الأزهر الشريف وهو المؤسسة العلمية الأعرق والأعلى مكانة في العالم الإسلامي، يؤيد إقامة دولة مدنية ديمقراطية حديثة تؤكد حق الناس في اختيار الآليات والمؤسسات المحققة لمصالحهم شريطة أن تكون المبادئ الكلية للشريعة هي المصدر الرئيسي للتشريع، بينما الزنداني وهو رئيس جامعة دينية ورئيس هيئة علماء اليمن، له رؤية أخرى رافضة للدولة المدنية ومؤيدة للدولة الإسلامية الشوروية. إن المتأمل في الرؤيتين يخرج بنتائج من أبرزها: أولا: أنه لا يوجد تصور محدد للدولة لدى التيار الإسلامي على مختلف أطيافه وطوائفه، وهذا يدل على أن الإسلام لم يلزم المسلمين بصورة أو نموذج معين للحكم، وإنما أتى بمبادئ عامة مثل الشورى والعدالة والمساواة والحرية وترك للمسلمين أن يصوغوا نظامهم السياسي مهتدين لهذه المبادئ الكلية وبما يتناسب وعصرهم وظروفهم واحتياجاتهم. ثانياً: أن نظام الخلافة الإسلامية الذي عرفه المسلمون إنما هو نمط من الحكم اختاروه في ظل سياق زمني معين وبناء على أوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية ناسبت مجتمعاتهم، فهو اجتهاد بشري لنمط من الحكم رأوه ملائماً لهم، ولا يلزم من ذلك أن يكون هذا النظام السياسي هو اللون الواجب على المسلمين اليوم أن يتقيدوا به أو حتى يسعوا للمطالبة به أو إحيائه أو استعادته. ثالثاً: أن علماء المسلمين - فيما عدا الشيعة- قديماً وحديثاً على اتفاق بأن الخلافة ليست من أصول الدين ولا من عقائدها وليست ركناً من الإيمان، بل من الفرعيات الفقهية الخلافية المتعلقة بالمصالح العامة، إذا لو كانت من الأصول لنص عليها القرآن الكريم وبينتها السنة النبوية. وما ينطبق على الخلافة يسري على كافة أمور السياسة والحكم. لذلك يجب عدم الخلط بين الإسلام كتعاليم ثابتة وبين الخلافة الإسلامية كنظام تاريخي مرحلي. رابعاً: إن قطاعاً من التيار الإسلامي -نخباً وقواعد شعبية- لا زال يتصور أنه من الواجب استعادة الخلافة الإسلامية، لكنهم يعيشون أوهاماً خادعة، كونهم نظروا إلى الخلافة عبر مراحل التاريخ الإسلامي نظرة مثالية انتقائية، متجاهلين أن الخليفة كان يجمع كافة السلطات في يديه. هؤلاء الواهمون باستعادة أمجاد ومآثر خلفاء بني أمية وبني العباس ومن جاء بعدهم، يغيبون قروناً متطاولة من المظالم والفتن والانقسامات والصراعات الدامية بين المسلمين بسبب نظام الحكم، لدرجة محاصرة بيت الله الحرام وضرب الكعبة بالمجانيق مرتين، وقتل الصحابي عبدالله بن الزبير والتمثيل بجثته، ثم استباحة مدينة رسوله الله سنة 60 للهجرة، وتعرّض الأئمة الكبار للضرب والتعذيب. خامساً: المتحمسون المخدوعون بأوهام إحياء الخلافة الإسلامية والدولة الدينية عليهم أن يحمدوا الله تعالى على ما هم عليه في عصر الربيع العربي الذي فتح أمامهم أبواب السلطة وكفل لهم الأمان والحرية، بدلاً من التباكي على سقوط الخلافة على يدي كمال أتاتورك عام 1924، ولو كانوا في عصور تلك الخلافة لكانوا هم أول الضحايا. سادساً: لم تكن الخلافة، في المراحل المتأخرة على الأقل، رمزاً لوحدة المسلمين، كما يشاع عبر المنابر الدينية ويدرس في المناهج، بل أدت الخلافات إلى تقطيع البلاد الإسلامية إلى دويلات متنازعة تحارب بعضها بعضاً، وقد وجدت في وقت واحد خلافات ثلاثة: الخلافة العباسية في بغداد والفاطمية في مصر والأموية في الأندلس. سابعاً: كل التجارب المعاصرة لإعادة إحياء الخلافة أو الدولة الدينية في أفغانستان (طالبان) أو في الصومال أو غيرهما باءت بالفشل وقدمت أسوأ نماذج الحكم الديني. د. عبدالحميد الأنصاري