تعيش سوريا الآن أحوالاً قد تكون وصلت إلى حدّ الخطورة الكبرى. فالأمر كما هو الآن: تظاهرات شبابية عارمة ومتصلة وآخذة في التعاظم من طرف، واستمرار العنف المسلح بالرصاص وبغيره من طرف آخر. إنها حالة من الأسى والاستفزاز الملتهب. وهذا يعني أن لحظة عبثية خطرة تعيش في سوريا راهناً، وقد تُهدّد بحرب طائفية لا تبقي ولا تذر. ونلاحظ أن المسألة المعنية هنا تقوم على الاحتراب بين فريقين اثنين، فريق ينطلق من موقع حلّ أمني يتأسس على فكرة "كسر العظام"، عظام الشعب السوري بشبابه على نحو الخصوص، وفريق آخر ينطبق من رؤية استراتيجية تنبني على أن الحل الآن هو دعوة إلى الحفاظ على السلم الأهلي، والانكفاء - من ثم - نحو الوصول إلى إعادة بناء المجتمع السوري الراهن على نحو يُفضي إلى تحقيق مجموعة من الاستحقاقات الحاسمة، وفي مقدمتها إيقاف الرصاص واعتباره محرماً على دم كل السوريين. وثمة استحقاقات أخرى كبرى ينبغي إنجازها، هي تلك التي يُبدأ معها بإنجاز حالة تُفضي إلى المجتمع الوطني المدني؛ نعني الانخراط في مهمة تفكيك "الدولة الأمنية" بتحويلها إلى "أمن الدولة". ومن شأن ذلك أن تتوالى بعده ومعه الحيثيات الحاسمة، التي تندرج تحت ذلك الاستحقاق. يتقدم تلك الأخيرة إطلاق سراح السجناء السياسيين وذوي الرأي والضمير، وتبييض السجون المعنية كلها وبعلاقة من التضايف العقلاني المفتوح، تبرز سلّة من المسائل البنيوية الحاسمة، التي تحتاج إلى التصدي لها، هي إسقاط العمل بمقتضى قانون الطوارئ والأحكام العرفية، على نحو واقعي محدد، والبدء بصوغ قانون للأحزاب وآخر للإعلام برؤية عصرية تقدمية قائمة على التعددية السياسية والأيديولوجية والحزبية. ويرتبط بذلك ارتباطاً عضوياً بإلغاء المادة (80) من الدستور، التي تقضي بأن يكون حزب "البعث العربي الاشتراكي" قائداً للدولة والمجتمع السوري (في هذا الحال). بعد هذا وذاك وذلك، يكون الطريق قد عُبّد للتحضير لانتخابات تشريعية ينشأ على أثرها مجلس برلماني ينتخب رئيساً للبلاد بإشراف لجنة من خبراء سوريين ودوليين، شفافة محايدة. ذلك كله يمكن أن يجد طريقه إلى الإنجاز، بمساعدة جهود كبرى من الوطنيين بكل انتماءاتهم الطائفية والإثنية والقومية والسياسية. وثمة أمر لابد من أخذه بعين الاعتبار المنهجي العميق، وهو أن السياسة والمجتمع السياسي والحراك السياسي سحبت جميعاً من سوريا منذ أكثر من أربعين عاماً، أي سحب ما كان عليه أن يحمي سوريا ويطورها ويجدد إصلاحها الجذري؛ مما أوقع خللاً عظيماً فيها يحتاج إلى مثل هذا الإصلاح. لكن هذا الخلل أصبح عائقاً، حين خرجت أطراف من النظام القائم، وأعلنت أن ما يحدث في سوريا هو بفعل "مؤامرة خارجية". بهذه الكيفية، يكون هؤلاء قد نفوا أن ما يحدث ها هنا هو ذو جذور داخلية أولاً وبالدرجة الأولى؛ ويكون هؤلاء كذلك، قد استكثروا على شعب سوريا وشبابها أن يعملوا على إعادة بناء الداخل السوري من الاستعباد والفساد. إن حلاً سياسياً عقلانياً ويقوم على إشراك الجميع في إنجاز ذلك، هو وحده القادر على إطفاء النار، وفتح آفاق جديدة رحبة أمام الشعب السوري.