طوال العقود الثلاثة الماضية تخرج الآلاف من أبناء دولة الإمارات في الجامعات ومؤسسات التعليم العالي العالمية وساهموا في دعم مسيرة التنمية التي تشهدها الدولة من خلال نقل خبراتهم وتجاربهم العلمية والحياتية التي استقوها من مؤسسات أكاديمية ذات خبرة وممارسة. من الأهمية استمرار البعثات للدراسة في الخارج، في جامعات ومؤسسات تعليمية ذات سمعة وكفاءة في مختلف التخصصات والبرامج. وعلى رغم التطور الكبير في مؤسسات التعليم العالي بالدولة سواء الحكومية أو الخاصة، عدا أن الدولة أصبحت في السنوات الأخيرة مقصداً علميّاً للدراسة الجامعية وتحديداً لطلاب الدول الجارة والشقيقة، إلا أن أهمية استمرار برامج الابتعاث للخارج لا تكمن فقط في نيل الطالب الشهادة العلمية من مؤسسات تمتاز بالتميز الأكاديمي، وإنما أيضاً لنيل مهارات حياتية وخبرة متنوعة. فالطالب في سنوات دراسته يعيش في بيئة وثقافة وحضارة مختلفة وتنمي فيه مخزوناً ثريّاً من المعلومات حول قيم وثقافات وعادات الشعوب الأخرى، وبذلك يبني جسور التواصل، ويزيد من التلاقح الفكري والثقافي بين المجتمعات الشرقية والغربية. إن الابتعاث للخارج ينبغي أن يتم في إطار تنسيقي بين الجهات المبتعِثة، مثل التعليم العالي ومكتب تنسيق البعثات التابع لوزارة شؤون الرئاسة وجهاز أبوظبي للاستثمار وبعض دواوين الحكام من أجل تنسيق الجهود وتجاوز السلبيات والاستفادة من التجارب، وحل المشاكل المتعلقة بتعثر الطالب دراسيّاً أو التعامل مع الجامعات وأنظمتها وكذلك أنظمة وقوانين الإقامة في بلدان الابتعاث. ومن الضروري أن تضع جهات الابتعاث اشتراطات محددة للبعثات الخارجية تعتمد على نوعية التخصصات المطلوبة، وكذلك حسن انتقاء الطلاب أو الطالبات المبتعثين، والتأكد من مدى جدية المبتعث وحرصه على تلقي العلوم والخبرات الحياتية وأن يكون خير سفير لبلاده.. حيث رأينا نماذج من الطلاب المبتعثين كان آخر همهم التحصيل العلمي، وآخرون انتهى بهم الأمر في السجون أو الترحيل لمخالفتهم القوانين والأنظمة، ومنهم من عاد بخفي حنين بعد فترة من الزمن لأنه لم يستطع التأقلم مع ظروف الحياة والتحديات المعيشية والعلمية هناك. وكذلك من المهم اختيار جامعات ومعاهد علمية معروفة وذات مراتب متقدمة في تصنيفات الجامعات والمعاهد العالمية، بالإضافة إلى متابعة الطالب أولاً بأول من خلال الإرشاد الأكاديمي التابع للملحقيات الثقافية، والتواصل بشكل مستمر مع المبتعث والاطلاع على مدى إنجازه في برنامج اللغة والتحصيل الجامعي وخطته الأكاديمية، والاهتمام بحل مشاكله والصعوبات التي تواجهه، وتقديم الدعم النفسي والمعنوي ومكافأته عند الإنجاز ومحاسبته عند التقصير. ومن المشاكل الرئيسية التي تواجه طلاب بعض جهات الابتعاث ضعف راتب المكافأة الشهرية للمبتعث الذي يدرس في بلدان أو مدن غالية، ولا يكاد الراتب الشهري يغطي إيجار السكن عدا المصروفات الأخرى من مأكل وملبس ووسائل نقل ومصاريف شخصية. كما ينبغي عدم حصر البعثات الدراسية إلى البلدان الناطقة باللغة الإنجليزية مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا وأستراليا وهي الوجهات التي تستقطب معظم البعثات الدراسية.. ولاشك أن الجامعات في هذه البلدان تعد من بين الأكثر تقدماً في العالم، إلا أنه من الضروري أيضاً أن يكون هناك تنوع في جهات الابتعاث، فالتطور العلمي والتعليمي لم يعد حكراً على الدول الناطقة باللغة الإنجليزية، وإنما هناك جامعات وبرامج علمية متميزة في بلدان متقدمة مثل فرنسا وألمانيا واليابان والصين وإسبانيا وفنلندا والنرويج، وكما سبقت الإشارة فإن الاستفادة ليست مقتصرة على الشهادة العلمية وإنما الطالب يستفيد خلال فترة ابتعاثه من مختلف التجارب الحضارية في تلك البلدان.