ما حدث في السودان من انفصال للجنوب أشبه بتمزيق قطعة من القلب ورميها لعتمة القادم. فعندما كنا صغاراً قيل لنا إن السودان سلة غذاء الوطن العربي، وإنه أكبر دولة عربية، وإن الشعر هناك والحنين هناك والبطولات هناك! لماذا يتعرض السودان لهذا السيناريو؟ الغريب أن البعض تعامل مع الحدث، وكأن ليس في الأمر أكثر من انفصال! هل سيعود السودان سلة غذاء للوطن الكبير فعلاً ؟ هل ستأتي الخيرات من السودان بعد طول انتظار؟ هل كانت الوحدة الوطنية هي العائق الوحيد أمام ازدهار هذا الوطن الكبير؟! يالها من خسارة سيتم دفع ثمنها عاجلاً أو آجلاً، وعندما يتم البحث عن استدلالات فإن هناك إجابات جاهزة لدى سودان الشمال، من بينها: لم نكن نتعامل معهم بإنسانية؟ البعض يتحدث عن اضطهاد الأقلية التي كانت أمثلتها التاريخية كثيرة ومتعددة ، ونتج عنها الانفصال والحروب الأهلية. ومن سيكون التالي؟ دارفور أو غيرها. كيف يتم التفريط في ثلث السودان بكل هذه البساطة؟ وكأن لا مأساة حلت على الأمة وأحزانها الكثيرة. حتى وإنْ كانت المؤامرة منظمة وقاسية يبقى الوطن وطناً، والحب له لا يتجزأ. وكأن التاريخ حكاية علينا أن نعيشها وننتظر ما سيحدث بعدها، وأن نؤجل كل تفاعلات أفكارنا وموافقتنا من تقسيم وطن وتفتيت قوته إلى درجة أن يتحول الوطن إلى أجزاء وأوهام وكابوس مكلل بالسواد. لمثل هذا يموت القلب كمداً، والخوف كل الخوف أن ينعى الوطن الكبير ليصير تاريخاً وأثراً بعد عين. السودان وطن تُحاك المؤامرات ضده منذ أمد بعيد، ولم تعد فلسطين تكفي كضحية أولى، بل تتوالى الضحايا بلا نهاية... علينا فقط أن نحسب الساعات! ويتساءل البعض: لماذا تحولت الميادين إلى ساحات اعتصام وغضب وشهداء تتوالى صورهم كأيقونات شهود بأنهم رأوا واعطوا كل ما يمكن أن يعطوه؟! ولماذا بعد كل هذه السنين تأتي الكارثة بمنتهى الهدوء والصمِت المطبق من الجميع. نعم هي مؤامرة لكن لم تأت من الخارج بل تمت صناعتها من خلال التنازلات دون علم. وهذه التنازلات قد تؤدي إلى نزيف متواصل. فإلى متى سيبقى هذا النزيف متدفقاً وحاراً وصعب أن نصف آثاره القادمة ولو بعد حين. ربما كانت النجاة في التغيير، وربما تأتي مع رياح التغير، لكن الأهم أن تأتي قبل فوات الأوان، وليس بعد فقدان المزيد من الأوطان، ومزيداً من الأحلام، التي ذهبت مع الريح في ليلة معتمة لتقول لصغارنا: كان السودان أكبر بلد عربي ... واحسرتاه !