كنتُ أجمع المادة العلمية لمقالي لهذا الأسبوع عن التقسيم وجمود الثورات العربية، ولكن نتائج استطلاع الرأي الصادم الذي أجراه "المعهد العربي الأميركي" في ست دول عربية، وشمل عينة من 4000 شخص استطلعت آراؤهم في الأردن والإمارات ولبنان والسعودية ومصر والمغرب، عن نظرة العرب لأميركا وأوباما بعد عامين من خطاب القاهرة التاريخي، وبعد عامين ونصف عام من إدارته، غيرت موضوع مقالي حيث أجلت الموضوع الأول إلى أسبوع آخر، لأناقش في هذه المساحة، للمرة الرابعة خلال أكثر من عام، مدى خيبة أمل العرب تجاه أميركا وأوباما. ولعل أول ما يمكن قوله هو أن نتائج استطلاع عينة من العرب عن أوباما وإدارته، وانعكاس ذلك على العلاقات العربية الأميركية في عهد الرئيس الذي يحمل جينات مسلمة، كانت بالفعل نتائج محبطة ومؤلمة معاً. ولاشك أن أوباما خيب آمال ورهان كثير من العرب الحالمين بقدرته على التغيير. وقد ظن خطأً، بل اقتنع كثير من العرب أن أوباما سيكون مختلفاً وأكثر تفهماً. ولذلك راهنوا على التغيير الذي بشر به ليُصدم الجميع في النهاية، ليس بأن أوباما لا يختلف عن غيره من الرؤساء، وبأن إدارته لا تختلف عن الإدارات الأخرى، بل إن نتائج استطلاع الرأي أكدت في نواحٍ عديدة أنه أسوأ حتى من بوش الابن نفسه في سنواته الأخيرة. والمؤلم أنه بعد أن تضاعفت شعبيه أميركا وأوباما في سنته الأولى نرى الآن شعبيته عربيّاً وقد انهارت لتلامس 10 في المئة فقط ، وفي دول في معظمها تعتبر حليفة لواشنطن. ومن الملفت أن أكثر القضايا التي سجلت انخفاضاً في شعبية أوباما كانت تحديداً في الشأنين اللذين بذل هو فيهما جهوداً كبيرة للمصالحة وتحسين صورة بلاده وهما: علاقة أميركا مع العالم الإسلامي، وعملية السلام وفق رؤية حل الدولتين. فقد أتت نتائج الاستطلاع لتصدم أوباما وأميركا، ولتؤكد أن أكبر تهديد للأمن والاستقرار في المنطقة هو دعم أميركا لإسرائيل وعدم حل الصراع العربي الإسرائيلي، وكذلك التدخل الأميركي في الشؤون العربية كعامل مهدد للأمن والاستقرار! ولم يساعد التذبذب الأميركي وعدم الانحياز للشعوب في موجة الربيع العربي في مصر وتونس واليمن وسوريا وليبيا، وحتى التدخل في ليبيا وفرض منطقة حظر طيران، في رفع أسهم أميركا وأوباما، إلى درجة أن شعبية وقبول الصين وتركيا وفرنسا، وحتى إيران، في العديد من الدول المستطلعة آراء العينة فيها، تحظى بقبول ورضا أكثر من الرضا عن أميركا. والحال أن خيبة الأمل العربية الكبيرة، وفشل الرهان على أوباما، ينبغي ألا تصدمنا لأن أميركا دولة مؤسسات ومصالح ما يقلص دور الأفراد والنوايا الحسنة في رسم سياساتها. ولعل مما يلخص المشهد بدقة وبلاغة ذلك المثل الأميركي: "إن الطريق إلى جهنم معبد بالنوايا الحسنة"، ولهذا السبب لم يكن غريباً أن 5 في المئة فقط من المصريين ينظرون إيجابيّاً إلى أوباما، وكذلك 5 في المئة فقط من الأردنيين. وأن 10 في المئة من المصريين يرون أن سياسة ومواقف أميركا تساهم في الأمن والاستقرار في الدول العربية. وأكثر من ذلك أن ما بين 50 إلى 80 في المئة من المستطلعة آراؤهم في الدول الست يرون أن السياسة الأميركية والتدخل في شؤون الدول العربية، تشكل عقبة أمام السلام والاستقرار في المنطقة. فيما ترى أغلبية المستطلعة آراؤهم أن القضية التي تتطلب اهتماماً رئيسيّاً هي حل الصراع العربي- الإسرائيلي، وهو ما تعلمه واشنطن أيضاً. وهذه النتائج المخيبة لآمال واشنطن لا تشكل صدمة فقد تناولتها في مقالات متعددة قبل أكثر من عام. ولكن الصدمة الحقيقية هي في علم واشنطن بهذه المواقف والعجز المتواصل عن حلها! إن من الثوابت الأميركية النهج التقليدي المكرر بتقديم المصالح والاستقرار على الأمن والاستقرار، وحماية إسرائيل والدفاع عن أمنها. حيث تبقى مطالب الحريات والديمقراطية والمشاركة السياسية والمساءلة، شعارات ومطالب لا تعني الكثير. ثم إن مكمن الإحباط العربي هو في تراجع أوباما عن مواقفه القوية تجاه المستوطنات الإسرائيلية. وأكثر ما أغضب العرب ليس فقط التراجع بل إشادته بجرأة نتنياهو "ومجازفته نحو السلام"! ناسفاً بذلك ضمناً مبدأه وحلمه بحل الدولتين، وبجعل العالم خاليّاً من السلاح النووي وهو يتجاهل النووي الإسرائيلي. فكأن أوباما باحتضانه لإسرائيل وقبوله بمروقها وتغولها، يهدم أسس مشروعه السياسي. ولذلك اتهم "زبغنيو بريجنسكي"، مستشار الأمن الوطني الأميركي الأسبق، أوباما برفع الراية البيضاء لنتنياهو، بتقديم التنازلات ووصفه المجاني إياه بأنه رجل يجازف من أجل السلام! ولا أجد خاتمة لهذه المقالة أفضل من خاتمة مقالتي "العرب وخسارة الرهان على أوباما" المنشورة هنا في 12 يوليو من العام الماضي، في هذه المساحة لأكرر على مسامع من يعنيهم الأمر من صناع القرار والساسة العرب: "الحال أننا لن نتمكن كعرب من فك شفرة العلاقات الأميركية- الإسرائيلية الوثيقة مهما طورنا علاقتنا مع واشنطن، ولن ننجح في التأثير على السياسة الأميركية في قضايا المنطقة ما لم نستوعب استراتيجية إسرائيل وحلفائها ونجارِهم في التغلغل في الشأن الداخلي السياسي والمالي والإعلامي الأميركي. فقد نجح اللوبي المتنفذ الموالي لإسرائيل في تحويل الإدارة الأميركية إلى رهينة لمصالح تل أبيب، وحول الكونغرس الأميركي إلى مؤسسة تتناغم وتتماهى مع «الكنيست» الإسرائيلي، ووضع يده على الإعلام الأميركي ودفع به إلى الدوران في فلك الدولة الإسرائيلية، بينما نحن نتابع عن بعد ونتمنى ونتحسر محبطين من إدارة أميركية بعد الأخرى. لقد خذل أوباما العرب وغيرهم وخاصة الذين اقتنعوا وراهنوا على نجاح التغيير والتصالح الذي وعدنا به في خطبه المنمقة ومواقفه المتفهمة. ولكن من الواضح أن الثوابت الأميركية تبقى أقوى بكثير من أوباما ونواياه"! فمتى نعي كعرب الدرس ونتعلم أصول اللعب مع الكبار؟! حتى لا يتكرر الإحباط وخيبات الأمل الكبيرة والمتكررة في الرؤساء الأميركيين بما فيهم من كنا نأمل ونتمنى منهم التغيير! لأن الطريق للجحيم معبد بالنوايا الحسنة!