بعد أن أصبح يوم الجمعة حاملاً لصفات متعددة في حياة مصر بدءاً بجمعة الغضب والحسم والرحيل، ووصولاً إلى جمعة الثورة أولاً، والإنذار الأخير، بت أتمنى وأدعو جميع القوى السياسية الفاعلة إلى تحضير المشهد ليكون مناسباً لجمعة الثقة المتبادلة بين الجيش والشعب. منذ أسابيع وأنا أنادي في وسائل الإعلام المصرية بضرورة الوفاق بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يتولى سلطات رئيس الجمهورية وبين منظمات الشباب، الذين يحملون مطالب الثورة. إنني أرى مساحة عريضة للثقة بين هذين الطرفين ناتجة عن طبيعة الجيش المصري، فهو ليس جيشاً طبقياً يتم اختيار ضباطه من طبقة اجتماعية بعينها. إنما هو جيش يمثل جميع الطبقات. هذه السمة ليست جديدة، بل مضى عليها حوالى قرنين من الزمن منذ قرر محمد علي إنشاء جيش قوي لا يعتمد على المرتزقة، فلجأ إلى تجنيد أبناء الفلاحين المصريين وإلى السماح لأبناء الأعيان والعمد وكبار الموظفين بدفع أبنائهم إلى سلك الضباط وضباط الصف. لقد أدت هذه السياسة إلى ظهور جيل الضابط أحمد عرابي الذي أصبح وزيراً للجهادية، والذي انحاز إلى برنامج الخديوي إسماعيل لإنشاء برلمان نيابي على غرار البرلمانات الأوروبية، وهو البرنامج الذي اغتالته الوصاية الأجنبية على مصر عندما أطاحت بالخديوي وأتت بأخيه الخاضع لها الخديوي توفيق. لقد انعكست سمة الجيش الوطني في توافق متتالي الحلقات تاريخياً بين مطالب الشعب ومواقف وعواطف ضباط الجيش وقياداته وصولاً إلى جمعة الثورة أولاً (8 يوليو الحالي). ذلك أن أهم مطالب المتظاهرين في هذه الجمعة لقي استجابة عملية من جانب المجلس الأعلى تمثل في الموافقة على قيام رئيس الوزراء بإجراء تعديل وزاري واسع بالتشاور مع منظمات الشباب الثوري وأحزابهم لتشكيل حكومة تلبي تطلعات الثوار في مكافحة الفساد وتحقيق برنامج للعدالة الاجتماعية والاقتصادية وتوفير الظروف المناسبة للعدالة القضائية. أضف إلى ذلك الاستجابة إلى مطلب تطهير وزارة الداخلية بصدور حركة لضباط الشرطة استبعد فيها عدد كبير من كبار الضباط، ولمطلب علانية المحاكمات لمسؤولي النظام السابق والسماح ببثها على شاشات كبيرة خارج المحاكم فضلاً عن تفريغ الدوائر القضائية التي تنظر قضايا قتل المتظاهرين والاعتداء على المال العام بحيث تنجز أحكامها في وقت قريب. إذن حدثت الاستجابة لمطالب الثوار بسرعة، ومن المتوقع مع نشر هذه الكلمات أن يتم الإعلان عن تشكيل الحكومة الجديدة لتطمين القلوب وتنطلق مصر في طريق الوفاق والعدالة الاجتماعية والقانونية. أعتقد أن جمعة الإنذار الأخير (15 يوليو)، هي أقرب إلى جمعة المتابعة لتحقيق الأهداف، وبعدها ستتأهب القوى السياسية بالاطمئنان على وحدة الصف لتنظيم جمعة الثقة المتبادلة بين الشعب والجيش، وبين القوى السياسية المدنية والمجلس الأعلى للقوات المسلحة.