لم يعد الاقتصاد الأميركي يطيق انتظار المصادقة على اتفاقيات التجارة الحرة مع كولومبيا وبنما وكوريا الجنوبية لفترة أطول وذلك للحاجة الماسة إلى هذه الاتفاقيات ودورها في دعم الصادرات الأميركية وتعزيز سوق العمل بالنسبة للآلاف من العمال الأميركيين المتوجسين على وظائفهم، لكن رغم الحاجة الحيوية للمصادقة على اتفاقيات التجارة الحرة مازالت متعطلة في الكونجرس بسبب الخلاف الدائر حول برنامج يعوض العمال عن فقدانهم لوظائفهم، إذ يشترط الكونجرس قبل الموافقة على الاتفاقيات تمديد العمل ببرنامج حماية العمال الأميركيين من تداعيات التجارة الحرة، والذي جرى العمل به على مدى الخمسين عاماً الماضية، فرغم ضرورة الحد من العجز الكبير في الموازنة العامة ولجم النزيف الحاد في الإنفاق الأميركي ما يحتم في هذه المرحلة الصعبة إلغاء العديد من البرامج الاجتماعية، أو على الأقل خفض موازنتها. وهو ما قد يبرر عدم تمرير برنامج حماية العمال الأميركيين، إلا أنه في الوقت نفسه لا يمكن إيقاف تعطيل توجه استراتيجي مثل التجارة الحرة متمثلة في الاتفاقيات المذكورة مع بلدان أميركا الجنوبية بسبب احتدام النقاش الداخلي حول أولوية الادخار على الإنفاق، علماً أن البرنامج الذي يتلكأ بعض أعضاء الكونجرس في تمريره لا يكلف كثيراً مقارنة بباقي الاستحقاقات الاجتماعية مثل برنامج الرعاية الطبية المطروحة على طاولة النقاش، والغريب أن "الجمهوريين" الذين يصرون على عدم تجاوز سقف الإقراض الأميركي ويراهنون على تحقيق معدلات نمو عالية باعتبارها الحل بدل رفع الضرائب ينسون أن هذا النمو يمر بالضرورة عبر توسيع التجارة الحرة والانخراط فيها لما يوفره ذلك من فرصة للولايات المتحدة لتوسيع صادراتها وتعزيز حضورها في الأسواق الدولية. ولو احتكمنا إلى منطق الربح والخسارة، من الأفضل تمرير برنامج حماية العمال الأميركيين الأقل كلفة على أن نخسر اتفاقيات التجارة الحرة مع بلدان أميركا اللاتينية التي تدر خيراً عميماً على الاقتصاد الأميركي وتساهم بطريقة مباشرة في توفير فرص عمل إضافية للمزيد من الأميركيين في المصانع، التي تنتج البضائع الأميركية الموجهة للتصدير، ولا يعني ذلك أنه يتعين على الكونجرس تمرير البرنامج كوسيلة لإقناع الإدارة برفع اتفاقيات التجارة الحرة لإجازتها، بل لما ينطوي عليه البرنامج نفسه من مزايا وحسنات، فالجميع يعرف أن التجارة الحرة بما تستدعيه من رفع للرسوم الجمركية وإزالة العراقيل أمام البضائع المستوردة قد يضر أحياناً بالشركات الأميركية ومن ثم العمال. ومن هنا تكمن أهمية البرنامج في حماية الموظفين من خلال توفير فرص التدريب وإعادة التأهيل لتولي وظائف قادرة على التنافس مع الواردات الأجنبية، والحقيقة أن البرنامج استحدث لحماية العمال الأميركيين يقوم بهذه المهمة على نحو أفضل من الإجراءات الحمائية التي يسعى إليها البعض داخل الولايات المتحدة. وليس غريباً أن يرجع البرنامج إلى عام 1962 وتم تمديده منذ ذلك الوقت بمساندة الحزبين مع آخر تمديد قبل عامين، ولم يكن هذا الخلاف حول المصادقة على اتفاقيات التجارة الحرة ليثير اهتمام أحد لو لم تنطوِ عليه من أهمية قصوى بالنسبة للاقتصاد الأميركي ومصالحه العليا، فكلما تأخر تمريرها ازدادت حصة الأسواق التي تفقدها البضائع الأميركية أمام المنافسين العالميين الذين يتسابقون لملء الفراغ الناتج عن الغياب الأميركي. ولنأخذ مثال كولومبيا التي تعتبر سوقاً أساسية للبضائع الأميركية وحليفاً استراتيجياً لأميركا في المنطقة، ففي الوقت الذي تستمر فيه معاناة المصدرين الأميركيين إلى كولومبيا بسبب عدم المصادقة على اتفاق التجارة الحرة مع ما يفرضه ذلك من رسوم جمركية مرتفعة، يتصاعد التواجد الأرجنتيني والبرازيلي في السوق الكولومبية، خاصة في المنتجات الزراعية، دون أن ننسى دخول كندا على الخط بعد المصادقة على اتفاقية التجارة الحرة مع كولومبيا خلال الشهر المقبل، وإذا كان الكونجرس والإدارة لا يكفان عن تأكيد حرصهما على تمرير اتفاقيات التجارة الحرة مع بلدان أميركا اللاتينية وكوريا الجنوبية لما يدركانه من قيمتها بالنسبة للاقتصاد الأميركي، فإن ذلك لن يتحقق إلا بتجاوز الخلافات الحزبية على برنامج حماية العمال والمسارعة إلى إجازته في الكونجرس. وفي هذا السياق تبرز الحاجة إلى القيادة الحزبية الواعية بمسؤولياتها والقادرة على الوصول إلى اتفاق وسط يحمي العمال من جهة ويضمن مصالح الشركات الأميركية، التي تتوق إلى التوسع من جهة أخرى، في وقت تتراجع فيه معدلات الاستهلاك الداخلي بسبب أجواء الأزمة الاقتصادية المخيمة على الجميع، بل حتى الاتحادات العمالية المتوجسة من التوقيع على اتفاقيات التجارة الحرة عليها أن تدرك بأن نفاذ البضائع الأميركية إلى الأسواق العالمية وتعزيز الطلب الخارجي عليها سيخلق المزيد من الوظائف في الداخل، كما سيعزز النمو الاقتصادي الذي نحن في أمس الحاجة إليه اليوم، وقد يكون من المفارقة أن أميركا التي كانت من أوائل المبشرين بالعولمة وكانت من أكبر المستفيدين من انفتاح الأسواق العالمية على منتجاتها وسقوط الحواجز بين الدول، تتردد اليوم في التطبيق الكلي لمبادئ التجارة الحرة خوفاً على مكتسباتها، رغم إمكاناتها الإبداعية وجودة صناعتها تعطيها دائما الأسبقية على غيرها. جون نيجروبونتي: مدير الاستخبارات الوطنية في إدارة بوش ماك ماكلارتي: مبعوث أميركي سابق إلى الأميركيتين جيم جونز: نائب "ديمقراطي" سابق في الكونجرس بوب موسباشير" مدير شركة "موسباشير" المتخصصة في الطاقة ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"