من يصغي جيداً، ويجيل النظر ويمعن التفكير فيما يجري بميدان التحرير في قلب القاهرة يدرك للوهلة الأولى أنه لن ينفع أبداً الهروب من المسؤولية، أو التذرع بأي شيء يعطل تنفيذ مطالب الثورة، ولا مجال لأحد أن يشعر بفضل على الثوار، لأنهم هم أصحاب الرؤية والقدرة والشرعية، وهم من أنقذوا مصر من التوريث أو "ثورة جياع" كانت ستؤدي إلى فوضى شاملة. ومن لم يدرك هذا فعليه أن يفهم الآن، وليس غداً، وإلا سيدفع ثمناً باهظاً. دون إسهاب ممل ولا إيجاز مخل، هذه مطالب الثورة كما عبرت عنها الجموع الغاضبة المحتشدة والمعتصمة في مختلف ميادين مصر: 1 - إقالة الحكومة التي ينعتها منتقدوها بأنها حكومة "الثورة المضادة"، لأنها تتبع في الغالب الأعم الحزب الوطني المنحل، وكان بعض وزرائها أعضاء في أمانة السياسات بمن فيهم رئيس الوزراء. أما نائبه فتبين أن فتحي سرور هو الذي رشحه لأحمد شفيق. ويتبع ذلك تشكيل حكومة تنتمي إلى الثورة بالرجوع إلى الثوار أنفسهم، الذين عليهم أن يختاروا الآن حكومة بديلة من شخصيات وطنية نزيهة ذات كفاءة وخبرة، قادرة على قيادة المرحلة الانتقالية. 2 -إجراء فوري يضمن تسليم السلطة للمدنيين، عبر تكوين مجلس رئاسي مكون من ثلاث شخصيات (اثنان من المدنيين وعسكري) أو خمس شخصيات (ثلاثة من المدنيين وعسكريين) لإدارة البلاد حتى إجراء الانتخابات البرلمانية المقبلة حسب ما رتبه الاستفتاء الشعبي الأخير على التعديلات الدستورية. ويتم هذا بعد وضع آلية منضبطة ونزيهة وديمقراطية لاختيار أعضاء المجلس، ويمكن أن يكونوا هم من بين كبار القضاة كرؤساء المحاكم (الدستورية -النقض -الاستئناف) ومجلس الدولة، ويمكن أن يجتمع مرشحو الرئاسة ويختاروا ثلاثة من بينهم بشرط أن يتعهد من تم اختياره بعدم ترشيح نفسه للرئاسة المقبلة. 3 - إن لم يكن هناك اتفاق على "المجلس الرئاسي" يمكن استبداله بـ"مجلس استشاري" يضم شخصيات عامة تتوافر فيها شروط الوطنية والكفاءة والمصداقية، يتم الرجوع إليه في كل القرارات التي يعتزم المجلس الأعلى للقوات المسلحة اتخاذها، ويعمل بالتنسيق مع رئيس الوزراء الجديد، على أن يعود أعضاء المجلس إلى الثوار لتبادل الرأي. 4 - استكمال تطهير النظام السياسي، بسرعة تنفيذ الحكم الذي يقضي بحل المجالس المحلية المزورة، واختيار بديل مؤقت عنها. واتخاذ قرار بالعزل لكل من أفسدوا الحياة السياسية من أعضاء الحزب الوطني البائد. وحل اتحاد العمال، وفتح الباب أمام انتخاب اتحاد جديد يمثل العمال تمثيلاً طبيعيّاً وحقيقيّاً. وفتح الباب سريعاً أمام انتخاب رؤساء للجامعات وعمداء للكليات والمعاهد العليا، وتغيير رؤساء الأجهزة الرقابية كافة. وتخليص أجهزة الحكم المحلي من العناصر الموالية للنظام البائد من أمثال المحافظين ورؤساء مجالس المدن. وقطع خطوات حقيقية على درب تطهير أجهزة الإعلام من العناصر الفاسدة والموالية للنظام البائد، التي شاركت في تضليل الرأي العام وتزييف الوعي على مدار سنوات طويلة. ويتم اتخاذ هذه الخطوة بالتشاور مع شخصيات إعلامية تحظى باحترام الرأي العام، وتعطي ولاءها للثورة. 5 - اتخاذ إجراءات لتحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية، من بينها تكوين مجموعة من رجال مصر البارزين ذوي المكانة الدولية لإنشاء "صندوق دعم الاقتصاد الوطني" من خلال مخاطبة العالم الخارجي، حكومات ومؤسسات خاصة وأفراداً مصريين بالخارج وغير مصريين، لتقديم منح لا ترد لبلدنا. ويمكن أن تضم هذه المجموعة كلًا من الدكاترة محمد البرادعي وأحمد زويل ومجدي يعقوب وفاروق الباز.. وغيرهم. وسرعة إنشاء صندوق محلي لتسوية أوضاع رجال الأعمال غير الفاسدين أو من لم تُرفع ضدهم دعاوى قضائية، ممن حصلوا على أراضي الدولة في الفترة الماضية بثمن بخس، وذلك بإعادة تسعير هذه الأراضي ووضع فروق الأسعار في صندوق ينفق منه على مشروعات إنتاجية صغيرة ومتوسطة للشباب. وإطلاق مشروع قومي لاستصلاح مليوني فدان في الصحراء، يقوم على أكتاف صغار الفلاحين، بعد تمليك كل منهم خمسة أفدنة، ويديره اتحاد نابع منهم، وقد يضم هذا المشروع ما تثبت جدواه الاقتصادية من المشروعات القديمة. ويتطلب هذا أيضاً ضمانات دستورية توفر للفقراء ومحدودي الدخل -الذين يشكلون عادة ما لا يقل عن 60% من أفراد المجتمع وأسره من فلاحين وعمال وموظفين وباعة جائلين وتجار صغار وغيرهم- حقوقهم الأساسية مثل حق التعليم وحق الرعاية الصحية المجانية وحق العمل والتوظيف وضمان المساواة في شغل هذه الوظائف دون وساطة أو محسوبية، وكذلك الحق في تخصيص الموارد المالية للاهتمام بالمسكن المناسب وتوفير بيئة نظيفة وآمنة مثل إمدادات المياه وشبكات الصرف الصحي الحديثة ونظافة الشوارع والحواري والأزقة والقرى والكفور والنجوع، فإنه لن يتحقق وسائل ضاغطة على السلطة التنفيذية والقائمين عليها لوضع السياسات التنفيذية لتحقيق هذه الحقوق 6 - إقامة محاكمات عادلة وعلنية لقتلة الثوار، وفي مقدمتهم الرئيس المخلوع. 7 - سرعة تطهير جهاز الشرطة من العناصر الفاسدة، وإلغاء قانون تجريم التظاهر والاعتصام، وكذلك إحالة المدنيين إلى المحاكم العسكرية.