بينما تركز عمليات إصلاح التعليم في الوطن العربي في أحسن صورها على التطوير المادي للتربية من خلال بناء مدارس على أرقى معايير البناء الهندسي في العالم، وهذا أمر مهم بلاشك لأن البيئة المادية المحببة للتلاميذ والمهيئة للتعليم أمر حساس وبالذات في مجتمع مثل الإمارات، حيث إن الطفل منذ بداية حياته وانفتاحه على العالم تعود على أحسن المواصفات في منزله الذي يعيش فيه وشوارعه التي يمر بها والمراكز التجارية التي يتسوق منها وحتى الحدائق التي يلعب فيها، هذا الطفل يعيش انفصاماً في شخصيته عندما يقارن ذلك بمدارس تعاني من مكيفات دافئة وملاعب رملية وساحات يغطيها الغبار، وسبورة عانت ويلات المعلمين، ومختبرات تصلح لكل شيء عدا التجارب العلمية الهادفة. وقد أحسن مجلس أبوظبي للتعليم عندما برمج خطة إحلال للمدارس القديمة كي تكون عندنا في الإمارات مدارس تتناسب مع المرحلة القادمة من التعليم في الدولة، وكلنا أمل أن تتبنى وزارة التربية والتعليم في الدولة نفس هذه التصاميم كي يعيش التلميذ الإماراتي في مدارس لا تقل جودة عن حياته خارج المدرسة، ومع أهمية البناء المادي للمدارس غير أننا بحاجة إلى بناء معنوي لها. منذ قريب ورد في نقاش حول التعليم في آسيا أن سنغافورة استبدلت الكتاب المدرسي بجهاز "آيباد" وذلك في سعيها للظهور كمقصد استثنائي للتعليم، وفي اليابان أطلقت الحكومة مشروعاً تجريبيّاً لمدرسة المستقبل يسمح للطلاب بالقيام بواجباتهم على شاشات اللمس فيما يقوم المعلم بالشرح مستخدماً الألواح الإلكترونية التفاعلية، بينما جهزت كوريا الجنوبية مدارسها بنظام "الواي فاي" كما تمت برمجة الكتب المدرسية على شكل أجهزة لوحية منذ عام 2007، ولو استعرضنا ما يجري في دول العالم في مجال تطوير طرق التعليم والتعلم وأساليب تقويم التلاميذ لرأينا الفجوة التي نحن بصددها. كما أن البناء المادي للمدرسة أمر مهم في الإصلاح التربوي إلا أن هندسة عمليات التعليم والتعلم أهم في تصوري الشخصي فتلميذ اليوم كما بينت الدراسات بإمكاننا أن نضاعف 3 مرات قدرته على التعلم لو استخدمنا التكنولوجيا الحديثة في التعلم. وفي الوقت نفسه فإن الجهد المطلوب من المعلم يقل إلى النصف في حالة استخدام التكنولوجيا الحديثة. والمشكلة تكمن في تصوري في إعداد المعلم للقيام بهذا الدور الجديد، فمثل هذا الطرح لن يناسب المعلم الذي تعود لمدة عشرين سنة على استخدام اللوح التقليدي أو السبورة. هذا المعلم تعود الصمت والجلوس من المتعلمين، فهو مصدر الحق والحقيقة، وما يخطه بيده على السبورة هو ما يحدد الناجح من الفاشل من المتعلمين، هذا المعلم بحاجة ماسة لبرامج تحويلية تغير من نظرته للتعليم وأساليبه، وتجعله مشرفاً لا ملقناً، وفي هذه الحالة قد يكون من بعض المتعلمين طرح أفضل مما هو مكتوب في السبورة، لأن المعرفة الإنسانية اليوم تتغير بصورة متسارعة قد لا تلحقها الأوراق المكتوبة والمناهج الورقية ولذلك رأينا توجهاً عالميّاً اليوم نحو الكتاب الإلكتروني وهذا يعني دوراً جديداً لإدارات المناهج والكتب الوطنية، وكذلك يقتضي وجود نظام لتقويم المتعلمين لا يتناسب مع ما يعرف بالامتحانات الوطنية المتعارف عليها. إن ملخص ما سبق يكمن في الانتقال من نشر التعليم إلى جودته.