قبل الاجتماع المرتقب بين وزيري خارجية الهند وباكستان نهاية هذا الشهر، يبدو المزاج السياسي بين نيودلهي وإسلام آباد إيجابيّاً إلى حد ما، حيث عرفت العلاقات الثنائية بين الجارتين النوويتين تحسناً مطرداً في وقت يسعى فيه البلدان قدر الإمكان إلى تأخير النظر في المواضيع الخلافية المعقدة والتعاطي مع أساسيات التواصل والشروع في تدابير بناء الثقة. وهذا قطعاً تطور إيجابي، وخاصة أن كلا البلدين يبذلان جهداً إضافيّاً للحفاظ على انخراطهما في هذا الجهد. وتقوم استراتيجية البلدين على السعي إلى إرساء استقرار العلاقات الثنائية، التي سبق أن مرت بعدة فترات فتور أو توتر خلال السنوات الماضية، وذلك من خلال التركيز على مبادرات صغيرة مثل البحث عن طرق فعالة لزيادة التجارة والسفر عبر الحدود بين سكان كشمير بدلًا من السعي لحل مشاكل سياسية أكبر قد تعوق علاقاتهما. وضمن مبادرة تشي بالكثير، قال وزير الداخلية الباكستاني رحمن مالك لقناة تلفزيونية هندية قبل بضعة أيام إن باكستان ستقوم قريباً بتسليم الهند عينات صوتية لأولئك المواطنين الباكستانيين الذين تتهمهم بالتورط في هجمات مومباي الإرهابية. والجدير بالذكر هنا أن الهند كانت قد اعترضت وسجلت محادثات هاتفية بين المسلحين الذين نفذوا مذابح مومباي وموجهيهم في باكستان الذين قيل إنهم كانوا يوجهونهم طوال العملية الإجرامية. ومنذ ذلك الوقت وسلطات الأمن الهندية تطالب بعينات صوتية لأولئك المتهمين بارتكاب الهجمات، والذين يخضعون للمحاكمة حاليّاً في إحدى المحاكم الباكستانية. وقال الوزير الباكستاني أيضاً إن الحكومة طلبت إذن المحكمة لتسليم العينات الصوتية الخاصة بالمتهمين. وهذا تطور بالغ الأهمية لأن باكستان لم تقدم أي التزام من قبل بتسليم العينات الصوتية التي تعتقد الهند أنها ستشكل خيطاً مهمّاً بالنسبة للمحققين. وقد جاء هذا التطور المهم خلال الاجتماع بين وزير الداخلية الهندي "بي. تشيدامبارام" وونظيره الباكستاني مالك في يونيو الماضي، الذي وعدت خلاله باكستان بمساعدة التحقيقات المتواصلة حتى الآن في خلفيات هجمات مومباي. وللتذكير، فقد كانت هجمات مومباي تلك عملية إرهابية واسعة استهدفت زعزعة استقرار العاصمة المالية للهند. وعقب الهجمات، قررت الهند وقف حوارها مع باكستان. ولم تبدأ العلاقات بين البلدين تعود تدريجياً إلى وضع طبيعي نسبيّاً إلا منذ فترة قريبة. وعلى رغم أن الشك والارتياب مازال مهيمناً داخل الهند بشأن التزام باكستان باتخاذ تدابير ضد الإرهاب الذي يستهدف الهند، إلا أن ثمة اعترافاً بضرورة الحوار بين الهند وباكستان ضماناً لعدم تدهور العلاقات بين البلدين الجارين. وبالتالي، فإن الاجتماع المرتقب لوزيري خارجية البلدين يمثل خطوة مهمة نحو إعادة التأسيس لعملية السلام بين البلدين. وقد تقرر أن تلتقي، قبل اجتماع الوزيرين، مجموعتا عمل تضمان في عضويتهما ممثلين عن البلدين قصد مناقشة مقترحات حول تدابير بناء الثقة، ومن ذلك توسيع تنقل الأشخاص عبر "خط المراقبة"، والتجارة وتدابير بناء الثقة النووية. وهذه هي المرة الأولى التي يناقش فيها البلدان تدابير بناء ثقة نووية. وهذا يمثل أمراً مهمّاً للغاية بالنسبة للبلدين الممتلكين للسلاح النووي حتى لا يُرتكب أي خطأ في هذا المجال أبداً، ولاسيما أن ثمة قلقاً في الهند وبقية العالم منذ بعض الوقت بشأن سلامة الترسانة النووية الباكستانية من أن تتعرض لأي تهديد أو اختراق من قبل عناصر إرهابية. ولذلك، فإن من المهم أن تكون هناك قناة واضحة للتواصل بين الجانبين حتى لا يكون ثمة أي سوء فهم في حال سقوط مواد نووية في أيدي الإرهابيين أو ما شابه. وقد كان للجانبين الهندي والباكستاني عدد من اللقاءات حول ثمانية مواضيع منفصلة، مثل نزاع كشمير والتجارة ومحاربة الإرهاب. ومن المرجح أن يعلن الجانبان بعد اجتماع وزيري الخارجية عن بعض تدابير الثقة في هذه المجالات أيضاً. ومن الواضح أنه لا أحد يتوقع حل مشاكل معقدة مثل نزاع كشمير خلال الاجتماعات الحالية؛ غير أنه يبقى من المهم أن يناقش الجانبان كل المواضيع في علاقاتهما الثنائية، بما في ذلك المواضيع الحساسة. وتُظهر التصريحات الصادرة عن الجانبين أن هناك انفتاحاً لتجريب هذه المقاربة الجديدة. وفي هذا الإطار، كان وزير الخارجية الهندي "إس. إم. كريشنا" قد صرح مؤخراً بأن "فصلًا جديداً" قد بدأ في العلاقات الهندية- الباكستانية، وأعلن أن الجانبين يعملان على مواجهة مشكلة نقص الثقة بينهما. كما بذل "كريشنا" أيضا محاولة للتقرب من القيادة العسكرية الباكستانية، التي تواجه انتقادات شديدة من بعض الباكستانيين أنفسهم على خلفية العملية التي نفذتها قوات خاصة أميركية وأسفرت عن مقتل زعيم "القاعدة" بن لادن بمدينة أبوت آباد في شهر مايو الماضي. وردّاً على سؤال حول ما إن كان لدى الهند أي تردد في التعامل مع القادة العسكريين في باكستان، قال "كريشنا" إن الهند ترتاح للتعامل مع نظام عسكري مثلما ترتاح للتعامل مع حكومة مدنية. وهناك اعتراف في الهند بأن باكستان تمر من ظرف صعب لأن الهجمات الإرهابية في البلاد ازدادت وتكثفت خلال الآونة الأخيرة، وأصبح الإرهابيون يستهدفون حتى بعض الأهداف العسكرية الباكستانية. كما أن مقتل بن لادن في مدينة تحتضن ثكنة عسكرية باكستانية في وقت كان الناس يعتقدون فيه أنه مختبئ بأحد الكهوف في مكان معزول من أفغانستان قوَّى وكرس التصور المتمثل في أن باكستان بلد غارق في مشاكل كثيرة. وفي ظل هذه الظروف، أدركت الهند أن الأهداف ينبغي أن تكون واقعية. فعلى رغم أن نيودلهي ترغب في أن تقوم باكستان بمواجهة المجموعات الإرهابية التي سبق أن هاجمت الهند مراراً، إلا أن العلاقة لا يمكن أن تظل أسيرة موضوع واحد، والطريقة الوحيدة للحصول على بعض التعاون بشأن الإرهاب تكمن في الإبقاء على قنوات التواصل مفتوحة بين الجانبين. إن تصعيد التوتر بين الهند وباكستان ليس جيداً بالنسبة للمنطقة بأسرها. وعلى الهند باعتبارها ديمقراطية ناضجة، وأحد البلدان الكبيرة في آسيا، ألا تنسى أنه من الحكمة السعي إلى تحسين العلاقات بدلاً من الاستمرار في نبش الماضي ونكء الجروح الذي لن يجلب إلا العداء والضغينة!