إنها قصة محزنة للغاية، وما يفاقم من تأثيرها أنها أبعد ما تكون عن الانتهاء، حيث لا تزال تتوالى فصولا لتجسد واحدة من المآسي المعاصرة التي تستمد فرادتها من كونها تقع على ذات الأرض التي شهدت مولد فن التراجيديا في العصور القديمة. فانهيار اليونان المالي، والذي يتكرر الآن في دول مثل البرتغال وإسبانيا وأيرلندا، وربما غيرها، قد أدى إلى بؤس الشعب، وقوض النظام المصرفي الأوروبي، وقد ينظر إليه مستقبلا باعتباره الحدث الذي دشن انهيار منطقة اليورو... كما يقول "جيسون مانولوبولوس" الخبير المالي المتخصص في شؤون الاستثمار، ومؤلف كتاب "دين اليونان البغيض: نهب الجمهورية الهيلينية"، الذي نعرضه في هذه المساحة. يقول المؤلف إن التراجيديا اليونانية التي تتجسد حالياً على مسرح منطقة اليورو، مثل معظم التراجيديات الإغريقية القديمة، تضم العديد من الأشرار الملعونين والقليل من الأخيار الطيبين. فنظرة واحدة إلى ما يدور على خشبة المسرح، تكشف أن هناك عديدين تآمروا على اليونان، وأن آخرين تواطؤوا معهم، أو رأوا الخطر وأداروا وجوههم للجهة الأخرى. وأبرز من لعبوا أدوار الشخصيات الشريرة في هذه التمثيلية، كما يقول المؤلف، هم السياسيون اليونانيون، ومدراء البنوك الأجنبية الذين أقرضوا حكومة اليونان الأموال بل شجعوها على اقتراض المزيد دون مطالبتها بالضمانات الكافية، وأحياناً بدون ضمانات. ومن الجهات الأخرى المسؤولة عما لحق باليونان، مسؤولو مؤسسة الاتحاد الأوروبي الذين مضوا قدما في تنفيذ مراحل مشروع "اليورو" السياسي دون أن يترووا كي يدركوا الحقائق الاقتصادية على أرض الواقع. ومثلما كان هناك جناة كان هناك أيضاً ضحايا، ليس أقلهم الشعب اليوناني الذي كتب عليه أن يعاني آثار التقشف ربما لعقود طويلة قادمة قبل الخروج من براثن الأزمة التي هزت كيانه والتي قاده إليها ساساته. ولا شك أن معظم قراء هذا الكتاب يعرفون بعض الحقائق عن المشكلات والمتاعب الاقتصادية التي بدأ اليونانيون يحسون فعلا بوطأتها، لكن ما يمكن قوله دون مبالغة إنه ليس هناك حتى الآن تحليل واضح ومباشر لسلسلة لأحداث التي قادت إلى السقوط في الهاوية، كما أنه ليست هناك لدى أحد لمحة موجزة عما يمكن أن تكون عليه نهاية هذه التراجيديا. ولأن مؤلف الكتاب ممن عملوا في صناديق التحوط الاستثمارية، فهو يبدأ تفسيره لما حدث بمقارنة بين أحداث اليونان في العامين الأخيرين وبين ما حدث في الأرجنتين خلال تسعينيات القرن الماضي. ففي ذلك الوقت حاولت الحكومة الأرجنتينية، ومن خلال ربط عملتها بالدولار تخفيض نفقات اقتراضها من الخارج لتمويل ازدهار اقتصادي قصير. لكن الخطأ الذي ارتكبته الأرجنتين حينئذ ووقعت فيه اليونان حالياً هو أنها لم تتابع إجراء الإصلاحات الاقتصادية اللازمة لجعل ذلك الازدهار مستداما. لم يحدث هذا في حالة الأرجنتين مما اضطرها لفك ارتباط عملتها بالدولار وتخفيض قيمتها وإعلان عدم قدرتها على سداد الديون المستحقة عليها والتي لا تزال تعاني من وطأتها حتى الآن. وهذا تقريبا هو ما حدث في اليونان التي استدانت هي الأخرى بأكثر من قدرتها على السداد، وعندما حان موعد سداد الديون لم تتمكن من ذلك، فلم تجد سوى أن تطلب حزمة إنقاذ هائلة من دول منطقة اليورو وصندوق النقد الدولي معاً، مقابل التعهد باتباع سياسة تقشفية لعلاج آثار ما حدث. ويوجه المؤلف انتقادات قاسية للساسة اليونانيين ورجال المصارف الذين يعتبرهم المسؤولين قبل غيرهم عن تلك الكارثة، لكنه أيضاً لا يوفر مسؤولي الاتحاد الأوروبي، ومسؤولي منطقة اليورو الذين تقاعسوا في البداية عن تقديم الدعم لليونان. ويرى المؤلف أن حزمة الإنقاذ المؤقتة التي قدمتها دول منطقة اليورو وصندوق النقد الدولي لم تخفف من وطأة الأزمة بل ساعدت على زيادة التضخم وألزمت الحكومة بزيادة الضرائب وتطبيق إجراءات تقشفية، مما أدى إلى خروج مظاهرات الاحتجاج في شوارع العاصمة اليونانية. وما نخلص إليه في نهاية المطاف هو أنه بالنظر إلى ما حدث، وما تكشف حتى الآن من فصول تلك التراجيديا، والدمار الذي لحق بالجمهورية الهيلينية، فإنه ليس هناك كثيرون ممن يمكن أن يعارضوا الرأي القائل "إن اليورو على النحو الذي هو عليه حالياً ليس لديه فرصة كبيرة للاستمرار، على الأقل بالنسبة لليونان. سعيد كامل الكتاب: دين اليونان البغيض... نهب الجمهورية الهيلينية المؤلف: جيسون مانولوبولوس الناشر: اثينز برس تاريخ النشر: 2011