International Security توازن القوى وسوء الإدراك اشتمل العدد الأخير من دورية International Security التي تصدر أربع مرات سنويا عن مركز "بيلفار" للعلوم والشؤون الدولية بمدرسة "جون إف. كنيدي" للدراسات الحكومية بجامعة "هارفارد"، على العديد من المواضيع المهمة. فتحت عنوان "بعد انتهاء عصر القطبية الواحدة: الرؤية الصينية للنظام الدولي في عصر أفول القوة الأميركية"، يرى "راندال شويلر" و"سياو يوبو" أن التحول من عصر القطبية الواحدة الذي كانت تهيمن عليه الولايات المتحدة إلى عصر آخر تتعدد فيه الأقطاب، يطرح تحدياً صعباً على القوى الساعية للحلول محل القطب الواحد. فالضعف النسبي الذي لحق بالولايات المتحدة التي كانت القطب الأوحد المهيمن، جعل من الصين أحد أبرز المرشحين للحلول محل الولايات المتحدة وبالتالي يدفعها ذلك للعمل على تعزيز مصادر القوة لديها، كما فرض عليها تحدي التهيؤ للاضطلاع بمسؤوليتها كقطب مهيمن. والمشكلة في هذا الصدد أن الصين في هذه الفترة المبكرة نسبيا من تطورها لا تمتلك مشروعا محددا للنظام العالمي الجديد، بل أن الرؤى المتضاربة التي تتبناها بشأن خريطة العالم الجديد واحتواء معظمها على استراتيجية لنزع الشرعية عن الولايات المتحدة والسيناريوهات العديدة بشأن الكيفية التي سيتم بها الانتقال من النظام الأحادي القطبية إلى النظام المتعدد الأقطاب، يشي بأن الأوضاع الجديدة ستحتاج إلى الكثير من الوقت حتى تتوازن الأقطاب الفاعلة فيها. وتحت عنوان "سوء الإدراك المزمن والصراع الدولي: التجربة الأميركية في العراق"، يطرح الكاتبان "تشارلز إيه دولفر" و"ستيفن بينيديكت دايسون" تساؤلا حول الأسباب التي دعت الولايات المتحدة للدخول في حرب ضد العراق عام 2003، ويجيبان بالقول إن السبب يرجع إلى حالة مزمنة من سوء الإدراك فحواها أن كل طرف قد كون رأياً عن الطرف الآخر بناءً على إدراكات خاطئة ودون أن يمتلك من المعلومات ما يكفي لإثبات صحة هذه الإدراكات أوزيفها، وأن تلك الإدراكات هي التي جعلت كل طرف ينظر للآخر على أنه عدو يجب التخلص منه رغم أن الأمر لم يكن كذلك تماماً. "نزوى": الكتابة والنقد في العدد الأخير من مجلة "نزوى"، نطالع مجموعة من البحوث ونتوقف عند اثنين منها، أولهما "المصطلح النـقدي عند عبدالله الغذامي"، لكاتبه محمد حمودي، والذي يوضح في بدايته أن مكونات المنظومة المصطلحية التي توسلها الغذامي في مقارباته، تؤول إلى النقد الألسني باتجاهاته الثلاثة: البنيوية، والسيميولوجية، والتشريحية. ثم يقول إن الغذامي يأتي في مقدمة النقاد العرب الطليعيين وعياً بقضية المصطلح وأهميته في الخطاب النقدي، فقد عُني بضبطه وتحديده وتأصيله، وتوليده وتعريبه وترجمته. ولأجل ذلك فقد استحضر منجزات الثقافة الإنسانية، وربطها بالمنجز الثقافي العربي، حيث ظفرت أطروحاته بمصطلحات نقدية، منبتها الألسنية الغربية الحديثة، لكنه غالباً ما يبرز فضل السبق في اصطناعها للفكر اللغوي والبلاغي العربي. وذلك ما يتضح في كتابيه «الخطيئة والتكفير» و«المشاكلة والاختلاف»، لاسيما في المقدمات المنهجية التي صدّر بها دراسته الأولى، وهي غاية في الدّقة، من حيث الإحاطة بالمصطلحات وتوليدها وتخصيبها. أما في البحث الثاني فتُلقي حلمية الشيخ بعض الضوء على "مفهوم الكتابة عند جوليا كرستيفا"، حيث تشير في البداية إلى اعتماد كرستيفا على مصطلح «الكتابة» في مقابل مصطلح «الأدب»، وتتساءل: لماذا تطرح «كرستيفا» ماهية الأدب من خلال مصطلح الكتابة؟ ولماذا ترفض استخدام مصطلح الأدب في معرض حديثها عن الكتابة؟ تنحصر ماهية الأدب عند «كرستيفا» في كونه يمثل ممارسة دالة تتمتع بخصوصية كامنة في ذاتها، وهي الطبيعة التي لا يمكن للفظة أدب أن تحملها، ذلك أنها في اللغات الغربية مترجمة عن اللفظة اليونانية (Gramatiké) بمعنى المعرفة بفنِّ كتابة الحروف، وهي بهذا تدل على كل شيء قيد الكتابة على وجه التعميم، ثم استعملت للإشارة إلى الكتب العظيمة دون النظر إلى موضوعاتها. ويبين البحث من ذلك أنَّ تصور «كرستيفا» للرمزي والسيميائي قائم على أولوية الرمزي وأسبقيته التاريخية، وهي الرؤيـة التي تـجلت في كتابيها "سيميوتيك" و"نَص الرواية".