الانطلاق المصري وطموح مردوخ... وجحيم اليورو --------- أزمة اليورو تزداد تفاقماً، وتداعيات فضيحة التنصت على هواتف المشاهير في بريطانيا، والزخم المتجدد للثورة المصرية... موضوعات نسلط عليها الضوء ضمن هذا العرض الأسبوعي للصحف البريطانية. --------- فضيحة التنصت: تحت عنوان "نفوذ مردوخ الخبيث يجب أن يموت مع نيوز أوف ذي ورلد"، كتبت "الأوبزرفر" في افتتاحيتها يوم الأحد الماضي، تقول إن صحيفة "نيوز أوف ذي ورلد" عندما تأسست منذ مئة وثمانية وستين عاماً، أخذت على نفسها عهداً، وهو أن يكون شعارها "الحقيقة والدفاع الشجاع عن الحقيقة". لكن هذه الصحيفة التي تعد واحدة من أشهر الصحف الأسبوعية في بريطانيا على الإطلاق، والتي كانت تتمتع بمصداقية كبيرة، سقطت في نهاية المطاف واضطر مالكها روبرت مردوخ، القطب الإعلامي الكبير، إلى إيقافها عن الصدور، حيث لم يكن أمامه من بديل آخر، لأنها تخلت عن ذلك الشعار في المقام الأول، وغرقت في ممارسات تفوح منها الغطرسة الكريهة، والطموح الأحمق، وثقافة التغاضي عن السلوك الإجرامي من قبل عدد من كبار العاملين في إدارة الصحيفة. وترى "الأوبزرفر" أن اضطرار مردوخ إلى إغلاق الصحيفة يأتي على خلفية فضيحة التنصت على هواتف المشاهير ودفع رشى لرجال شرطة، وأن ذلك كان الثمن الذي اضطر إلى دفعه للمحافظة على الفرع البريطاني من إمبراطوريته العالمية التي تمتد على عدة قارات، وللمحافظة على حظوظه في شراء شركة البث العملاقة "بي سكاي بي" التي يتوقع أن تحقق له أرباحاً طائلة فيما إذا ما تمكن من شرائها في نهاية المطاف بعد أن تعطلت محاولاته إثر هبوط أسعار أسهم الشركة وخسارتها لما يقرب من مليار جنيه استرليني من قيمتها السوقية، وقيام وزير الإعلام البريطاني جيرمي هانت بتأجيل بيعها مؤقتاً حتى الخريف القادم. ومما فاقم من حجم الورطة التي يواجهها مردوخ أن ابنه "جيمس"، نائب مدير التشغيل لمؤسسة "نيوز كورب" الإعلامية العملاقة المالكة لـ"نيوزانترناشيونال"، والتي تمتلك صحف "التايمز"، و"الصانداي تايمز"، و"الصن"، قد عرض نفسه لاتهامات جنائية، سواء في الولايات المتحدة أو في بريطانيا بعد اعترافه بأنه قد ضلل البرلمان البريطاني عندما قدم له معلومات مغلوطة بشأن التجسس على الهواتف، لأنه لم يكن لديه -كما قال- معلومات كافية عن الموضوع في ذلك الوقت، وترى "الأوبزرفر" أن الإدارة العليا لـ"نيوز انترناشيونال" فشلت فشلا ذريعا، فبدلا من أن تبذل كافة الجهود من أجل الوصول إلى لب المشكلة، فإنها حاولت إلقاء المسؤولية على "محرر مارق"، كما قال بعض مسؤوليها، وعندما قامت بذلك فإنها خذلت ضحاياها وخذلت صحفييها وخذلت "نيوز أوف ذي وراد"، بل وخذلت أيضاً حملة الأسهم. وهو ما دفع العديد من نواب البرلمان البريطاني إلى التنديد بمردوخ علناً في البرلمان، ودفع العديد من المؤسسات العاملة مع مؤسساته إلى التراجع عن عقودها المزمعة معها. ودعت"الأوبزرفر" إلى الحيلولة دون حصول مردوخ على "بي سكاي بي" مهما كلف الأمر، والعمل على ألا ينهض شبح مردوخ مرة ثانية من بين رماد "نيوز أوف ذي ورلد" كي يهيمن على الإعلام البريطاني. مطب الثورة: في عدد الجارديان أول من أمس الثلاثاء تحت عنوان "الثورة المصرية تتعثر في مطب ولكن لديها الروح التي ستساعدها على الخروج منه"، تتفق الكاتبة المصرية المعروفة "أهداف سويف" مع الآراء التي كانت قد ذهبت للقول إن ثورة الخامس والعشرين من يناير قد فقدت زخمها، وأنها لم تستكمل أهدافها بعد أن حققت هدف إسقاط رأس النظام وإفشال مشروعي التمديد والتوريث والإعلان عن تقديم الرموز الفاسدة من النظام للمحاكم، وأن هناك من يحاول القفز عليها ومصادرتها، بل أن هناك من راهن على أن عنصر الزخم الجماهيري نفسه كان قد أصابه الوهن بعد أن فشلت عدة دعوات للتظاهر في استقطاب أعداد غفيرة من الجماهير، كما كان الحال أيام الثورة، وبعد أن دب النزاع بين الائتلافات العديدة للثورة وبينهم وبين "الإخوان المسلمين". ومن المظاهر الأخرى التي أعطت الانطباع بأن الثورة وقعت في مطب ولا تستطيع التقدم للأمام، أن الشارع وصل إلى مرحلة بات فيها غير قادر على دفع الحكومة للتخلي عن التباطؤ الشديد التي كانت تدير به أعمالها، ولا دفع المجلس العسكري لتسريع البت في العديد من الأمور التي قدمت بها الجماهير مطالبات ولم يستمع إليها المجلس أو وعد بتنفيذها ولم يف بوعده. مع اعترافها بذلك كله فإن الكاتبة ترى أن الزخم الذي اتسمت به التظاهرات في ميدان التحرير وغيره من الميادين في مدن السويس والإسكندرية وأسيوط، قد أمد الثورة بطاقة متجددة وأظهر قدرة الجماهير مرة أخرى على إملاء أجندة العمل على من بيده مقاليد الأمور في مصر. وترى الكاتبة أن الموجة الثورية الجديدة سوف تساعد على تحقيق الأهداف التي تطالب بها الجماهير منذ بعض الوقت، ومنها إعادة هيكلة وزارة الداخلية لتخليصها من العناصر الفاسدة، ومحاكمة الضباط المتورطين في قتل شهداء الثورة، والمحاكمة العلنية لرموز النظام السابق، وإعادة الأمن إلى الشارع، ورفض المحاكمات العسكرية للمتظاهرين، وتشكيل حكومة ثورية وليست حكومة تسيير أعمال... وأن تحقيق تلك الأهداف سيكون معناه أن الثورة نجحت في الخروج من المطب الذي تعثرت فيه وأنها قادرة على استئناف مسيرتها الظافرة نحو استكمال باقي الأهداف وصولا إلى الانتخابات البرلمانية الحرة والنزيهة وانتخاب رئيس جمهورية جديد واستئناف الانطلاق للأمام بعد التخلص من معظم سلبيات النظام السابق وأدرانه. جحيم اليورو: وفي افتتاحية عددها الصادر أول أمس الثلاثاء، والتي اختارت لها العنوان "إيطاليا ومنطقة اليورو: أهلا بكم إلى الجحيم"، ترى "الجارديان" أن عدد الدول التي تعاني من متاعب اقتصادية في أوروبا آخذ في التزايد. فمنذ عام واحد كانت اليونان فقط هي التي تعاني من متاعب مالية حادة، لكن جاءت بعدها أيرلندا، ثم البرتغال، ثم إسبانيا، لتبدأ المؤسسات المالية تفرض شروطاً مجحفة مقابل منحها القروض، حيث تفرض عليها سعر فائدة يعادل ضعف سعر الفائدة المتداول، حيث تنظر إليها تلك البنوك على أنها تمثل خطراً ائتمانيا يفوق ذلك الذي تمثله بقية دول شمال أوروبا مثلا. وتقول الصحيفة إنه مما سيفاقم من مشكلة منطقة اليورو أن إيطاليا التي تعتبر ثالث أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، بدأت هي الأخرى تدخل في دائرة الأزمة حيث بدأت بعض البنوك في التعامل معها بنفس الطريقة التي تتعامل بها مع إسبانيا وبنفس أسعار الفائدة العالية، وهو ما يرجح ما يذهب إليه بعض المحللين الاقتصاديين من أن منطقة اليورو قد بدأت تنقسم بين الكبار، مثل ألمانيا والنمسا وهولندا، وعدد قليل آخر من الدول المتوسطة من جانب، ثم من جانب آخر الدول الهشة أي تلك الدول المشار إليها سابقاً بالإضافة لإيطاليا المرشحة للانضمام. وتقول الصحيفة إن مشكلة إيطاليا أن حجم ديونها المتراكمة منذ الحرب العالمية الثانية وحتى الآن قد وصل إلى 335 مليار دولار، وأن استحقاق هذه القروض سوف يحل في العام القادم، ما سيمثل مشكلة هائلة بالنسبة لها، إذ ليس من المتوقع أن تتمكن من سداده بل ستضطر للاقتراض من الدول الغنية في منطقة اليورو أو من صندوق النقد الدولي، والاثنان قد لا يتمكنا من مساعدة إيطاليا على مواجهة تكاليف هذه الديون الهائلة التي تفوق حجم الديون المستحقة على باقي الدول الهشة الأخرى الواقعة في جنوب القارة، مما يعني أن منطقة اليورو سوف تعاني من جحيم جديد لا يدري أحد كيف ستستطيع الخروج منه. إعداد: سعيد كامل