تقدر منظمة السياحة الدولية أن عدد من يسافرون لغرض الترفيه والسياحة يزيد عن 900 مليون شخص سنويّاً، أي تقريباً واحد من كل ستة من أفراد الجنس البشري. ومن بين هؤلاء يسافر 600 مليون خارج بلادهم الأصلية ضمن ما يعرف بالسياحة الخارجية، منهم 80 مليوناً يسافرون من دول غنية متقدمة تتمتع بنظام رعاية صحية متطور، إلى دول نامية فقيرة تتسم بنظم رعاية صحية بدائية، ويستوطن فيها العديد من الأمراض المعدية. وإذا ما أضفنا إلى هذه الأرقام حقيقة أن نسبة لا يستهان بها من المسافرين يعانون من أمراض مزمنة مثل السكري، وأمراض القلب والشرايين، والتهابات المفاصل، والأزمة الشعبية، والتهابات الرئة المزمنة، وغيرها، يتضح لنا حينها حجم العلاقة بين السفر وبين الأمور الصحية والطبية. وقد أدى حجم وأهمية هذه العلاقة إلى ظهور تخصص فريد ضمن التخصصات الطبية يعرف باسم طب السفر (Travel Medicine)، يُعنى بإدارة والوقاية من المشاكل الصحية التي تترافق مع السفر والرحلات. ويتضمن هذا التخصص حاليّاً العديد من المجالات الطبية المختلفة والمتنوعة مثل الأمراض المعدية، والصحة العامة، وطب المناطق الحارة، وعلم الإحصاء الوبائي، والطب المهني، والصحة البيئية، والطب النفسي، وغيرها. وبوجه عام يمكن تقسيم طب السفر إلى أربعة أقسام رئيسية، هي: 1- الوقاية من خلال التطعيمات والنصائح الطبية قبل السفر. 2- تقديم المساعدة من خلال العلاج الطبي أو إعادة المريض إلى أرض الوطن. 3- طب البيئات النائية، مثل المرتفعات الشاهقة وقمم الجبال، والأماكن غير المأهولة. 4- توفير الرعاية الطبية من خلال التأمين الصحي. وأحياناً ما يختص طب السفر بتقديم الرعاية أثناء بعض الأوقات والمناسبات الخاصة مثل التجمعات البشرية الكبيرة كما في موسم الحج، أو التواجد على متن سفينة في رحلة ترفيهية، أو ممارسة رياضة الغطس. وهذه المجالات المتنوعة تتم تغطيتها بشكل جزئي من خلال دليل السفر والصحة الدولية (The International Travel and Health)، الذي يصدر عن منظمة الصحة العالمية، ويوفر إرشادات مهمة وإجراءات احترازية ضرورية، لكل من العاملين في المجال الطبي والعامة على حد سواء، لغرض تجنب والوقاية من المخاطر الصحية التي يمكن أن يتعرض لها المسافرون عبر الدول والقارات. وقد احتوى هذا الدليل مؤخراً على فصل كامل جديد عن الصحة النفسية أثناء السفر، بالإضافة إلى خرائط تفصيلية للأمراض المُعدية الخطيرة، مع آخر تحديث لجداول ومواعيد التطعيمات الموصى بها، وهي المعلومات التي يمكن الحصول عليها من خلال موقع المنظمة على شبكة الإنترنت، أو بمراجعة إدارة الطب الوقائي المحلية. وتظهر الإحصائيات الطبية احتلال أمراض القلب والشرايين رأس قائمة أسباب الوفيات أثناء السفر، حيث تعتبر هذه الطائفة من الأمراض مسؤولة وحدها عن نسبة تتراوح بين 50 في المئة و70 في المئة من مجمل الوفيات أثناء السفر، وتليها في ذلك الحوادث والإصابات وهي مسؤولة عن 25 في المئة من الوفيات أثناء السفر، بينما لا تتعدى نسبة الوفيات الناتجة عن الأمراض المعدية عن 3 أو 4 في المئة. وتظهر الدراسات الطبية أن أكثر من نصف من قضوا شهراً فأكثر -وخصوصاً المسافرين من دول غنية متقدمة إلى دول نامية فقيرة- أصيبوا بمرض أو آخر، وخصوصاً من طائفة الأمراض المُعدية، وبالتحديد الحالة المعروفة بإسهال المسافرين، حيث يتعرض ما بين 10 في المئة إلى 20 في المئة من المسافرين لحالات من الإسهال الشديد، المصاحب بمغص وغثيان وانتفاخ، وهي الحالة التي تأخذ بعداً خطيراً عند الأطفال الرضع وصغار السن، لما قد تؤدي إليه من تعرضهم للجفاف الشديد والوفاة. وتنتشر الإصابة بهذا النوع من الإسهال أثناء السفر إلى درجة أنه أصبح يشار إليها في كتب السفر والأدلة السياحية بتعبيرات ظريفة ولطيفة أحياناً. فمثلا في حالة الإصابة به أثناء زيارة مصر، يطلق عليه "انتقام الفراعنة"، أما إذا ما كان المسافر في المكسيك، فيطلق عليه انتقام "موكتيزوما"، في إشارة إلى آخر ملوك شعب "الأزتيك"، الذين هزمهم الغزاة الإسبان وقضوا على حضارتهم تماماً في بداية القرن السادس عشر. وتمتد هذه التعبيرات الساخرة لتشمل أيضاً حالات إسهال المسافرين في الهند، ليطلق عليها حينها "دلهي بلي"، وحالات المسافرين إلى جنوب شرق آسيا حيث يطلق عليها التسونامي الآسيوي. وكل هذه التعبيرات والتعليقات، تظهر مدى تعرض المسافرين لهذه الوعكة الصحية إلى درجة أن إسهال المسافرين أصبح جزءاً من الثقافة الشعبية، وإحدى النتائج الحتمية في كثير من الحالات للانتقال من بلد إلى آخر، أو من قارة إلى أخرى. وإن كانت الأمراض المعدية الأخرى التي يمكن أن يصاب بها المرء خلال سفره، مثل الملاريا، أو التهاب السحايا، أو السعار (داء الكلَب)، أو الحمى الصفراء، لا تحمل في طياتها أي نوع من الظرف أو اللطف، بسبب ما تشكله من خطر داهم على حياة المصاب. ومن المؤسف أنه في ظل تزايد ظاهرة العولمة، وما يترافق معها من زيادة في عدد المسافرين، وخصوصاً إلى المناطق النائية والدول النامية، يتوقع أن تزداد معدلات الإصابة بهذه الأمراض، وأن يزداد أيضاً مدى انتشارها الجغرافي، بدرجة تهدد منظومة الصحة الدولية برمتها.