منذ بداية الاحتجاجات الليبية، كان واضحاً للعالم أن نظام القذافي لن يتوانى عن استخدام العنف للاحتفاظ بالسلطة، وكانت خطب العقيد وتهديدات ابنه تشير إلى ذلك بوضوح، وتحركات قواته تؤكده على الأرض. ورغم ذلك، كانت مواقف روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، مثيرة للتعجّب، فهي إجمالاً امتنعت عن دعم الجهود الدولية للحيلولة دون ذبح العقيد لأبناء شعبه، وامتنعت عن التصويت على القرار الخاص بإنشاء منطقة حظر طيران فوق ليبيا لحماية المدنيين من طيران القذافي الحربي. وبقيت مواقف هذه الدول تصبّ في صالح نظام العقيد. وحجة هذه الدول أنها تمتنع عن التدخّل في شؤون الدول الأخرى، وأن بعض الدول الغربية قررت تغيير نظام العقيد، ولا يحق لها ذلك، وأن شعب أي دولة هو المعني الوحيد بتحديد مصيره واختيار نظامه، وأنها تقف على الحياد بين الطرفين "المتنازعين"، وأن عليهما البحث عن مخرج بالجلوس إلى طاولة الحوار! ولا أعرف إن كانت هذه الدول فعلاً تصدّق ما تقوله، وتصدّق أنه يمكن للقذافي إعطاء شعبه حق تقرير مصيره واختيار من يمثله؟ وهل الحياد مقبول كموقف بين الجاني والمجني عليه؟ والأمر تكرر من الدول نفسها في الأحداث الجارية بسوريا، وبينما كان سفراء الولايات المتحدة وفرنسا يجوبون شوارع حماة وتستقبلهم الجماهير الغاضبة على النظام بالورود، كانت هذه الدول تردد العبارات نفسها. وإذا كان موقف الدول العربية مما يجري هناك، كما يقول عبدالرحمن الراشد، "تقليدي، حيث إنها تاريخياً تتجنب الانحياز ضد أي حكومة شقيقة، مهما كانت أزمتها الداخلية إلا إذا كانت على عداء معها"، فإن موقف الدول الكبرى أو التي تطمح لأن تكون كذلك لا مبرر له أبداً، فهي في حِل من كل ذلك التاريخ، وليست معنية به أساساً، بل لابد أن تتحلى بقدر من المسؤولية، وترك الشعوب تذبح على أيدي أنظمتها لا يدل إلا على عدم المسؤولية. ربما كان إصلاح مجلس الأمن وتوسيع عضويته ليشمل الهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، قد يفيد في ملف قضية الحقوق العربية، لكن من الواضح أن هذه الدول ليست لديها حساسية تجاه آلام الشعوب وحقها في نيل حريتها. أليس غريباً أن هذه الدول لها مواقف مساندة نوعاً ما للحقوق العربية في الصراع العربي الإسرائيلي، بينما الدول الغربية على العكس، لكن في المواجهة الدائرة بين بعض أنظمة الحكم العربية وشعوبها، تقف هذه الدول مع الأنظمة، بينما الدول الغربية تفعل العكس! السياسة واقعية ومصالح كما يقولون، لكن من المهم أن تصطبغ أي سياسة بصبغة أخلاقية وإنسانية ولو كطلاء خارجي، كما تفعل الدول الغربية، فهي دول تبحث عن مصالحها وتتعامل بواقعية، لكنها على الأقل تضع قناعاً أخلاقياً وإنسانياً. ويرى الكاتب حازم صاغية أن من عناصر نمو وجهة نظر كونية إزاء ما يحصل في العالم الثالث، هو "الحساسيات الإنسانية العابرة للحدود الوطنية في أوساط الرأي العام الغربي، والتي كسبت زخماً عظيماً في السنوات العشرين الماضية"، ويبدو أن الرأي العام في هذه الدول الخمس ليس له اعتبار كبير في سياساتها الخارجية، أو أنه لا يزال بلا إحساس إزاء الخارج على الأقل. أعتقد أن بقاء دول مثل روسيا والصين كدول كبرى من الدرجة الثانية، وعدم حصول الهند والبرازيل وجنوب إفريقيا على مقعد دائم في مجلس الأمن، ربما فيه فائدة للإنسانية ويصبّ في مصلحة مواطني الدول القمعية.