حتى يوم الأحد الماضي كان عدد المواطنين الذين تحق لهم المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة في الإمارات 80 ألفاً أو أكثر، ويوم الاثنين الماضي زاد عددهم 50 ألف ناخب بعد أن أعلنت وزارة شؤون مجلس الوزراء أن عدد الناخبين هو 129274 وهذا يساوي عشرين ضعف عدد المشاركين في انتخابات عام 2006 حيث كان عدد المشاركين فيها حوالي 6800 ناخب. ورغم أن عدد الناخبين هذا العام لا يقاس بعددهم في الانتخابات السابقة، إلا أن بعض المواطنين الذين لم يجدوا أسماءهم ضمن قائمة الهيئات الانتخابية اعتبروا أن هذا أمر غير مقصود، وهو "اعتراض" متوقع وقد يكون مفهوماً إلى حد ما، لكنه لا ينبغي أن يكون مبرراً لنقد غير موضوعي، قد يتخذه بعض المغرضين مطية للتقليل من فكرة التجربة الانتخابية في الإمارات. هذه هي التجربة الانتخابية الثانية، وعدد الناخبين المتضاعف بمعدلات الزيادة العالية التي أشرنا إليها أعلاه، يدل على أن هناك رغبة جادة لدى القيادة في توسيع المشاركة السياسية للمواطنين، وهو ما يجب أن يطمئن غير المشمولين في القوائم الحالية. والانتخابات الحالية هي مرحلة مهمة من مراحل التدرج التي مثلت خياراً اتفق عليه كثير من مواطني الدولة فيما يخص الانتخابات البرلمانية. ومما يميز قوائم الهيئات الانتخابية هذا العام أن نسبة النساء والشباب المشاركين فيها نسبة كبيرة، وهذا من شأنه أن يعطي شكلا مميزاً للمجلس القادم إذا كان للشباب تأثير وحضور فاعلان في عملية الاقتراع. قبل عام 2006 كان وصول المواطنين إلى المجلس الوطني الاتحادي يتم بطريقة التعيين المباشر، حيث يختار حاكم كل إمارة من بين مواطنيها من يعتقد أنه الأصلح والأكفأ والأفضل لتمثيلهم. وكانت هناك مراعاة لمسائل كالتمثيل الجغرافي والمستوى العلمي في اختيار الأعضاء، حيث غالباً ما يكونون من مناطق مختلفة، علاوة على أنهم كثيراً ما كانوا من المتعلمين وحملة الشهادات. أما بعد عام 2006 فتغير الحال، وأصبح الحكام يختارون نصف الأعضاء والنصف الآخر تختاره الهيئات الانتخابية. لكن عدد أعضاء الهيئات الانتخابية في الانتخابات الحالية سيكون أكبر من السابق، وبالتالي فعدد المشاركين سيكون أكبر أيضاً. لكن هناك أموراً يفترض أن يقوم بها الأعضاء ولا علاقة لها بالصلاحيات على الورق، وينبغي أن يضعها نصب عينيه كل من يرغب في ترشيح نفسه في الانتخابات المقبلة. فمن الأسئلة المثارة في هذا الخصوص مثلا: لماذا لا يتكلم بعض الأعضاء في المجلس، وبالصراحة المطلوبة، حول القضايا التي تهم المواطنين؟! لماذا لا يتواصلون مع هموم المواطنين؟! لماذا لا يقوم العضو بتحضير أسئلته ومداخلاته قبل الجلسة ليطرح على الوزير تلك الانشغالات أو الهموم التي تشغل بال المواطن؟ لماذا بعض الأعضاء يجاملون الوزراء في الجلسات، إما من خلال الصمت وعدم التعليق وإثارة الأسئلة، أو من خلال الثناء على بعض الوزارات؟ لماذا يكون حضور بعض الأعضاء في جلسات المجلس مثل غيابه؟ ولماذا يصر بعض الأعضاء على اعتبار وصولهم إلى المجلس وجاهة اجتماعية وليس مسؤولية وطنية؟ ولماذا لم يحاول بعض أعضاء المجلس الوطني الإبقاء على علاقة التواصل مع المواطنين بعد أن أصبحوا أعضاء في المجلس؟ العمل البرلماني دائماً بحاجة إلى من يراقب أداءه من جانب المواطنين، فمن غير المعقول أن عضو البرلمان ينسى المواطن الذي أعطاه صوته وساهم في إيصاله إلى قبة المجلس. كما أن المواطن مسؤول أيضاً ويجب أن يتحمل مسؤولية اختياره، وحتى بعد أن يفوز المرشح الذي اختاره من المهم أن يتابع جلسات البرلمان ليراقب أداء الأعضاء. لا شك أن كثيراً من المواطنين الطامحين للمشاركة في الانتخابات يريدون أن يجربوا ترشيح أنفسهم ومحاولة الوصول إلى قاعة البرلمان؛ فبعضهم لديه أفكار وآمال للتغيير والتطوير، وبعضهم يريد أن يجرب لكن اسمه ليس ضمن القوائم... إلا أن على هؤلاء أن يتابعوا أعمال المجلس في الدورة المقبلة وأن يتعرفوا على آليات الانتخاب ووسائل العمل البرلماني، وسيأتي اليوم الذي ينضمون فيه إلى قوائم الانتخابات. فبعد هذه القفزة الكبيرة في أعداد المقترعين في الانتخابات الحالية، لا يبدو من المستحيل بعد هذا أن نشهد انتخابات مقبلة يشارك فيها جميع المواطنين ممن تنطبق عليهم الشروط. ففي الإمارات ليس هناك شيء مستحيل.