عين مؤخراً الدبلوماسي المغربي يوسف العمراني -خلفاً للأردني أحمد مساعدة، الذي استقال من مهامه في يناير الماضي- أميناً عامّاً للاتحاد من أجل المتوسط الذي يوجد مقره في برشلونة، في حفل تنصيب حضره العديد من الشخصيات الدبلوماسية من بينهم وزراء خارجية كل من فرنسا وإسبانيا والمغرب وعدة مسؤولين سامين بالدول الأعضاء في الاتحاد من أجل المتوسط. ويضم الاتحاد من أجل المتوسط الذي أحدث في 13 يوليو 2008 كل الدول الأوروبية ودول جنوب المتوسط، وقد ظهر بمبادرة من ساركوزي؛ وكان المشروع طموحاً جدّاً من خلال تبنيه لعدة مشاريع كان بإمكانها أن تعود بالنفع الجليل على كل المنطقة بما في ذلك: مكافحة تلوث البحر المتوسط (تنظيف مياه البحر وشواطئه مع التركيز على المياه والصرف الصحي)؛ وتطوير الطرق البرية والبحرية السريعة (تحسين النقل بين الموانئ بإحداث طرق بحرية سريعة بالإضافة إلى دعم إنجاز ما لم ينجز بعد من الطريق السريعة المغاربية وربما تشمل هذه الطريق كل الدول على شاطئ المتوسط الجنوبي في وقت لاحق)؛ والتعاون في مجال الحماية المدنية (بما في ذلك الوقاية والاستعداد والاستجابة للكوارث الطبيعية وتلك التي هي من صنع الإنسان)؛ وتطوير الطاقة البديلة (وبخاصة تطوير البحوث في خطة المتوسط لتوليد الطاقة الشمسية)؛ وتطوير البحث العلمي والتقني (بما في ذلك إحداث جامعة أورومتوسطية بسلوفينيا، وأخرى بفاس)، وأخيراً التنمية الاقتصادية (كإقامة هيئة لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة عبر المساعدة الفنية وتوفير الإمكانيات المالية لذلك). وكل هذه المشاريع لها بعد تنموي واقتصادي على كل المنطقة وبإمكانها أن تسهل التعاون شمال/جنوب بناء على معايير تكافئية ومتوازية، لأنه لأول مرة في إطار التعاون الأورومتوسطي، تبنى الاتحاد من أجل المتوسط مبدأ الرئاسة المشتركة الدورية عن الضفة الشمالية للمتوسط وأخرى عن الضفة الجنوبية، ولكن بقيت تلك المبادرات التنموية للأسف الشديد حبراً على ورق، ولم يفعَّل منها إلا الشيء القليل. وهناك عدة عوامل جعلت ولادة الاتحاد من أجل المتوسط ولادة عسيرة مع تداعيات مستمرة، ولكن أكبر تلك العوامل يتمثل في المشكل الفلسطيني- الإسرائيلي؛ فهناك بعد "وجودي" وتضامني من دول جنوب المتوسط مع الفلسطينيين بمجرد وقوع أي تعد إسرائيلي على فلسطين المحتلة؛ وبعد أن هبت رياح ربيع التعاون الأورو متوسطي في يوليو 2008، نتذكر الهجوم الإسرائيلي على غزة أواخر 2008 الذي أوقف هياكل الاتحاد، ومنع القمم من الانعقاد، وأجل الاجتماعات الوزارية المرتقبة، وجعل المستثمرين الخواص والبنوك الكبرى تتراجع عن التزاماتها، وجعل كل الفاعلين الاقتصاديين يفضلون خوض معارك الاستثمار خارج نطاق الاتحاد من أجل المتوسط. وقد حاول الرئيس الفرنسي عزل العائق الفلسطيني- الإسرائيلي عن المسار الاقتصادي والاجتماعي للوليد الجديد "الاتحاد من أجل المتوسط"؛ ولكن هذا الوليد ورث عن جده "مسلسل برشلونة" الأعراض الفيروسية نفسها؛ وبدون معالجة بنيوية لهذا الداء العضال الذي ينخر مستقبل التعاون الإقليمي والجهوي في المنطقة، فإن الاتحاد من أجل المتوسط سيصاب بنفس الفيروسات التي أصيب بها سلفه، وقد تهدأ هذه الأعراض حيناً، وتهيج مرة أخرى. ولاشك أن الأمين العام الجديد يعي ذلك جيداً؛ صحيح أن الاتحاد من أجل المتوسط ككيان جديد، ليس من اختصاصاته التدخل لحل النزاعات والأزمات السياسية، ولكنه لا ينبغي أن يقف سلبيّاً أيضاً تجاهها، وخاصة أن العدوى سريعة الانتقال في فضاء متوسطي معولم، حيث قد تصيب شرارتها القريب والبعيد. ولابد من التأكيد هنا أن كثيرين في الضفة الجنوبية يعتبرون تعاطي الاتحاد مع النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي مقياساً ليس للحكم على نجاعته فقط بل على مبرر وجوده من الأساس؛ وبإمكاننا أن ننوه إلى وجود أمينين عامين بالنيابة أحدهما فلسطيني والآخر إسرائيلي، مما يعكس ضرورة المعالجة المشتركة في أفق المبادرة الفرنسية الرامية إلى تنظيم مؤتمر دولي حول الشرق الأوسط في أقرب الآجال؛ ودول الاتحاد من أجل المتوسط تملك كثيراً من مفاتيح الأزمة وبيد دولها وبعض من أفرادها ومجتمعها المدني أوراق ضاغطة إن أحسن استعمالها ووحدت جهودها مع الأطراف الدولية الأخرى انطلاقاً من القرارات الدولية والإقليمية وتوصيات المنظمات والمجتمعات. ثم هناك ضعف التعاون جنوب- جنوب؛ فالحدود ما زالت مغلقة بين المغرب والجزائر، وجامعة الدول العربية التي لها صفة مراقب في الاتحاد لا يمكنها أن توازي قوة المؤسسات الأوروبية، واللوبي الإسرائيلي المتواجد في أوروبا يفعل ما في وسعه لكي تسمع كلمته. وما زالت بعض دول الشمال في نفاق مستمر مع جاراتها في الجنوب إذ تنظر إليها على أنها مصدرة للهجرة السرية بامتياز، وأن كل القرارات التي يجب أن تؤخذ يجب أن تبقى خاضعة لمقاربة أمنية؛ وترصد أموالٌ طائلة لمحاربة الدخول السري في دول شمال البحر الأبيض المتوسط، في حين أن هذا المشكل لا يطال سوى 10 في المئة من الهجرة غير الشرعية التي تنجم في معظمها عن تمديد دخول شرعي إلى إقامة غير شرعية. لقد اعتمد الرئيس الفرنسي في سياسته المتوسطية مع دول الجنوب على صداقته مع بعض المسؤولين كالرئيسين المخلوعين بن علي ومبارك، ودولتاهما ما زالتا تخوضان تبعات الثورة وتصعب عليهما قيادة كيان مؤسساتي إقليمي ضخم على شاكلة الاتحاد من أجل المتوسط؛ وإلحاح الدول العربية والمتوسطية على ترشيح الدبلوماسي المغربي دليل على القوة والاستقرار الديمقراطي الذي يعرفه المغرب، وآخرها تدارك الثماني ودعوة فرنسا المغرب للالتحاق بشراكة دوفيل (انظر مقالتنا في هذه الجريدة عن "نفاق الثماني"). بإمكان الأمين العام الجديد، بكفاءته وحنكته، إيجاد الحلول لبعض المشاكل التي ذكرناها، إذا لم تعزل المشاكل السياسية عن المشاريع الاقتصادية والاجتماعية للاتحاد. وآنذاك يمكن أن يتجنب الاتحاد الوليد موتاً مبكراً.