تعدّ التنمية المستدامة منهجاً من مناهج الحياة بالنسبة إلى الدول والبلدان، ما يعني أن الدولة التي تتبنّى التنمية المستدامة هدفاً وغاية فمن الواجب عليها أن تعمل بشكل دائم ومتواصل وبخطوات محسوبة لإدراك هذا الهدف، وأن تعدّ له العدّة اللازمة من خلال وضع الرؤى والاستراتيجيات المستقبلية وتحديد المسؤوليات والواجبات وتوزيعها على المؤسسات والإدارات الحكومية جميعها وتوفير الاعتمادات المالية والأدوات والمعرفة الفنية اللازمة، ووضع آليات لمتابعة تقدّم المؤسسات في تأدية المسؤوليات المنوطة بها، وإزالة العراقيل التي تقف أمام العمل التنمويّ في المجتمع بشكل عام. إن تبنّي التنمية المستدامة منهجاً للحياة في مجتمع ما يتطلّب من هذا المجتمع، إلى جانب المسؤوليات السابقة، ضرورة متابعة المستجدّات العالمية في ما يتعلّق بالتكنولوجيات وطرق العمل والإنتاج الحديثة وأساليب العيش وإدارة الشؤون اليومية للمجتمع واستخدام الموارد بشكل أمثل، واستقدام التكنولوجيات التي يصلح تطبيقها ويمكن الاستفادة منها بما يخدم الغايات والأهداف الرئيسية، وفي هذا الإطار تبرز جهود إمارة أبوظبي وسعيها الدؤوب إلى إدراك التنمية المستدامة بأهدافها وغاياتها طويلة الأجل، ولذلك فهي تتبنّاها منهجاً للعمل التنمويّ بجميع مستوياته، وهو ما ينعكس على الملامح العامة ومحاور العمل في إطار "الرؤية الاقتصادية لأبوظبي 2030"، التي يمكن اعتبارها بمنزلة النبراس الذي تهتدي به الإمارة في عملها التنمويّ طويل الأجل. وفي خضم العمل الدؤوب واتّباع التنمية المستدامة كمنهج للحياة في إمارة أبوظبي تجيء مبادرة "الإحساس بالمدينة" أو "سيتي سينس"، التي يتبنّاها "مجلس أبوظبي للتخطيط العمراني" ضمن برنامج "استدامة" الذي ينفّذه المجلس، وهي المبادرة التي تقضي بإيجاد مصدر للمعلومات حول الواقع الحضري لمدينة أبوظبي، ومن ثمّ تحديد الإجراءات الضرورية لتطوير هذا الواقع الحضري، عبر اعتماد استراتيجية تطوير حضري مبنيّة على مبادئ الاستدامة في الإمارة كلها، تنطوي على إجراءات واضحة المعالم ومؤشرات محدّدة تساعد على مقارنة الواقع الحضري للإمارة مع المدن العالمية المستدامة، وتحديد المسؤوليات والمتطلّبات اللازمة للنهوض بالواقع الحضري للإمارة لتنافس المدن والبلدان الأكثر تطوّراً في هذا الشأن، والأكثر تطبيقاً لمعايير الاستدامة ومؤشراتها. إن مبادرة "سيتي سينس"، التي يطبقها "مجلس أبوظبي للتخطيط العمراني" تمثّل إحدى الآليات الفعالة في ما يتعلّق بالإدارة المثلى للموارد التي تحتكم إليها الإمارة، وتوجيه هذه الموارد إلى الأنشطة الأكثر حيوية، وتحسين طرق استخدام هذه الموارد عبر تطبيق التكنولوجيات الأكثر كفاءة، مع الاهتمام في الوقت ذاته بالتخطيط العمراني السليم للمدن والتجمّعات الحضرية والاحتفاظ بالصورة الحضارية لهذه التجمّعات، وإلى جانب هذا وذاك فإن مثل هذه المبادرات تنطوي على جوانب مهمّة تراعي تحسين "البصمة البيئية" للمدن والتجمّعات الحضرية، من خلال وضع الأسس السليمة للعلاقة بين الأنشطة الاقتصادية والمجتمعية من ناحية والجوانب البيئية من ناحية أخرى، بما يجعل التقدّم والتنمية الاقتصادية عاملاً من عوامل الحفاظ على السلامة البيئية وصيانة الموارد الطبيعية، وليس عاملاً من عوامل الإضرار بالتوازن البيئي واستنفاد الموارد. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية